سن الرشد فـي أرذل العمر !!
خيري منصور
25-04-2017 03:43 AM
ذات يوم قال لي مثقف عربي تنقّل عقودا بين خنادق اليسار انه بلغ سن الرشد السياسي في الستين، واضاف ان هناك من يبلغون رشدهم في الثمانين بعد فوات الآوان، مقابل آخرين يموتون وهم لم يبلغوا سن الرشد، ونظرية هذا المثقف تتخلص في انه عانى من شظف العيش وطرد اكثر من مرة من الوظيفة وسجن بضعة أعوام اليوم فيها يعادل عشرة اعوام، ثم استيقظ من الغيبوبة ليكتشف انه كان يحاول ان يحلب صخرة، او يحرث في نهر وان ما عاناه لم يعبّد له ولأبنائه الطريق نحو مستقبل آمن، بل ما حدث هو العكس.
في تلك الانعطافة الحاسمة من تاريخنا الحديث ازدهرت كتابة المذكرات السياسية وازداد عدد التائبين عن كل ما اقترفوا بحق انفسهم وابنائهم كما يقولون، لكن صاحبي ادرك بعد اعلان بلوغه سن الرشد ان الطابور طويل، وذكرني بعبارة لمحجوب عبد الدايم في احدى روايات نجيب محفوظ حين قرر ان يصل هدفه من اقصر الطرق وهو طريق النفاق لكنه لم يجد له متسعا فقال لنفسه : أين ستذهب مع كل هؤلاء يا عبد الدايم ؟ فما السر في هذا، هذا النكوص والارتداد والندم ؟ هل هو شعور هؤلاء بأن مجتمعاتهم عاقبتهم على تغليبهم العام والوطني على الخاص والشخصي ام انهم سلكوا طريقا موحشا يندر فيه الماء والزاد وحتى الانسان كما قال الشاعر ازرا باوند ؟
بعض من ادعوا انهم بلغوا سن الرشد وقرروا الفطام عن حبر السياسة لم يحفظوا من سعد زغلول الزعيم الوفدي الذي اقام الدنيا من القاهرة الى لندن ولم يقعدها حتى بعد النفي والموت غير عبارة واحدة هي غطيني يا صفية، مافيش فايدة !!
ان السر في هذه الكوميديا السوداء واحيانا الرمادية هو ان هناك من يحولون القضايا حتى لو كانت مقدسة ومصيرية الى مطايا تحملهم الى اهداف غير معلنة، لهذا تكون ردة الفعل عنيفة في حالة الفشل .
وها نحن قد بلغنا المرحلة التي حذر منها الحكماء والأدباء والحالمون والمصلحون على امتداد التاريخ وهي التي يكون فيها سن الرشد هو أرذل العمر !!
الدستور