ايديولوجيات المنطقة العربية وتحديات المستقبل
د. سامي الرشيد
24-04-2017 12:21 PM
تفكك الدول لا يكون دائما نتيجة فساد او سوء اوضاعها الداخلية فقط، فدول شرق اوروبا تغيرت اولا نتيجة لتقطع اوصال علاقتها بالاتحاد السوفياتي وثانيا نتيجة اوضاعها الداخلية السيئة.
الشيء ذاته يمكن ان يقال عن منطقتنا ولكن بصيغة مختلفة، اذ لم تتقطع اوصالنا مع الغرب والشرق، ولكن يجب الا نغفل عما كانت تراه الاستراتيجية السوفياتية لمنطقتنا في مواجهتها مع امريكا.
الاتحاد السوفياتي كان يسمي هذه المنطقة (المسرح الثالث للعمليات العسكرية ،في حين كان يسمي اوروبا المسرح الثاني وامريكا الشمالية المسرح الاول)
هذه التسميات كانت تعكس خطة الاتحاد السوفياتي لو اضطر لمواجهة امريكا عسكريا في حالة نشوب حرب عالمية.
فان استولى الاتحاد السوفياتي على آبار النفط في مسرح العمليات الثالث، فانه يجبر امريكا ان تحارب على أرضها (المسرح الاول ) لا على مسرح العمليات الثاني (الحليف لأمريكا في اوروبا )لأنه بذلك يقطع النفط عن اوروبا.
كل هذا انتهى بانتهاء الحرب الباردة، واما تبعات هذه الحرب كانت سقوط الانظمة العربية وتقسيمها وتفتيتها.
لكن ليس المشكلة ان نبدأ، المهم كيف ننتهي.
أحيانا تكون البداية مبشرة ولكن النهاية مدمرة ، وربما تصل الى القمة وتنتهي في القاع.
لا توجد في الحياة ضمانات وانما اختيارات فقط، فنحن نختار ثم ندفع الثمن.
اختياراتنا تحدد مصيرنا ،حياتنا محصلة اختياراتنا.
اذا لم تكن سعيدا في حياتك وحياة دولتك فقد حان وقت التغيير .
لا توجد في الحياة خيارات كثيرة ، فإما ان نمضي للأمام او نتراجع للخلف .
الحياة هي فن الاختيار ، السعادة اختيار ، التعاسة اختيار .
معظم اخطائنا تحدث حين تتغلب العاطفة على المنطق ،حين نعرف الاختيار الصحيح ولا نقبل به.
الفرق بين ما نريده وما نحلم به هو ما نفعله الآن .
في مرحلة ما لن يحبطك ما فعلته ، وانما ما لم تفعله ،عندما لا تفعل اليوم شيئا ستلوم نفسك غدا .
فهل جيل الدولة الوطنية أحسنوا فن الاختيار؟
لقد بدأ جيل كامل الشخصيات السياسية والفكرية والصحافية العربية من الذين عاصروا استقلال الدولة الوطنية العربية الرحيل الواحد تلو الآخر .
لقد ناضل اعضاء هذا الجيل في سبيل تحرير اوطانهم من الاستعمار الاجنبي وساعدوا في تأسيس الدول الوطنية من خلال مسارات شتى ،وكان رائدهم تأسيس نظم ديموقراطية تعبر عن طموحات شعوبهم وتلبي احتياجات الجماهير الاساسية .
لقد ناضل أعضاء هذا الجيل العربي لتحرير الارض العربية من الاحتلال والاستعمار ،كما حدث في مصر ، الجزائر، تونس والمغرب وكذلك في العراق وسوريا ولبنان .
كانت المعركة واحدة وان اختلفت وسائل النضال .
كانت الوسيلة الرئيسية في بعض الدول هي التفاوض مع المستعمر مباشرة ،كما حصل في مصر بعد ثورة 23يوليو (تموز )سنة 1952م حين نجح الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر في مفاوضاتهم مع بريطانيا عام 1954في انتزاع استقلال مصر وجلاء القوات البريطانية .
أما في الجزائر فقد شنت جبهة التحرير الجزائرية حربا حقيقية ضد قوات الاستعمار الاستيطاني الفرنسي ،ونجحت بعد معارك شرسة ضد الجيش الفرنسي في انتزاع استقلال الجزائر وضحوا في سبيل ذلك بمليون شهيد .
هكذا يمكن القول ان اعضاء هذا الجيل قد استخدموا عديدا من الوسائل لتحرير اوطانهم سواء بالتفاوض ام بالحرب ام بمزيج من التفاوض والنضال العسكري وذلك في سني الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي .
لقد كان الاستقلال منطلقا لتأسيس الدول الوطنية والحصول عليه كان مجرد الخطوة الاولى في مسار سياسي ساده الاضطراب والتعثر ،وذلك لأنه في بعض البلدان مثل سوريا ومصر قامت انقلابات عسكرية هدفها الحكم نظرا لترهل الحكومات المدنية وعجزها عن مواجهة المشكلات الكبرى بعد الاستقلال ،هذه الانقلابات سرعان ما تعددت في سوريا والعراق ثم ليبيا ،مما ادى الى حالة بالغة الخطورة من عدم الاستقرار السياسي ،وكان لها في ما بعد آثار كارثية على استقلال البلاد .
لكن تلك الشخصيات العربية وذلك الجيل الذي كان يضم في جنباته مفكرين افذاذا واحزابا قومية تتطلع للوحدة العربية كمطلب اساسي لابد من تحقيقه ورفعوا رايات التنوير الثقافي وساعدوا في صياغة العقل العربي الحديث الذي يؤمن بالعقلانية والديموقراطية والعروبة .
(قال سمو الامير الحسن بن طلال في المؤتمر الشبابي السابع حول التعليم والابداع والاستثمار : ندوة رؤية عربية مشتركة والذي عقده منتدى الفكر العربي في 11-4- 2017بانه يؤمن بالانتماء لعروبته وبالثورة العربية الكبرى ومبادئها ،وان تطوير الثقافة العربية يسهم في خدمة الرؤية النهضوية العربية الواحدة التي يتشارك الجميع في رسم معالمها ،وانه من الضروري العمل على رفد المنابر الثقافية بالفكر الاخلاقي الذي تغنيه التعددية وينيره التنوع الحضاري وتزينه الاصالة المستنيرة ، كما انه كان قد سأل ميشيل عفلق: انتم كبعثيين ماذا تقصدون بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ،وما هي الرسالة الخالدة: فقال له انها رسالة السماء اي الاسلام )
غير ان التاريخ العربي المعاصر شهد انتكاسات شديدة حيث تحولت بعض البلاد العربية التي نالت استقلالها من الحكم الديموقراطي النظري الى الاستبدادي ،سواء اتخذ صورة الدول الشمولية او السلطوية ،مما جعل الساحة العربية تزخر بصراعات سياسية بالغة الحدة والعنف وسادت التفرقة بين الدول الرجعية والدول التقدمية ، وهو الذي اطلق عليه احد علماء السياسة الامريكية: (الحرب الباردة العربية ).
لكننا اصبحنا في الوقت الحاضر نغرق في الماضي المضيء منه في العلوم والطب والفلك والفكر والادب والموسيقى ،كما المظلم منه والجامد عند ظاهر النص وبدائية تأويلاته .
قال المتنبي:
النسيم الرطب عني اذا سرى هنالك اوطانا اذا قيل اوطان
تمثل لي الاشواق ان ترابها وحصباءها مسك يفوح وعقيان
وقال "
كم من منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه ابدأ لأول منزل
لا ينظر بعضنا للمستقبل ولا يفكر به وما تحدثه الثورات العلمية الا باعتباره من غيبيات عائدة الى الاصرار على توقف العقل عند بدائية التعاطي مع النص .
لذا من المهم ان ننظر للمستقبل وما يحدثه تقدم العلوم من تطوير وتلحق بالدول المتقدمة ولا تكون هناك هوة كبيرة بين الدول المتطورة والاقل تطورا ،وبين تلك التي سارت في طريق التطوير والابتكار وحققت السعادة لشعوبها وتلك التي بقيت خارج هذا المسار .
الاهم من ذلك العمل على بحوث التعليم واساليبه في الزمن الجديد ،وليس فقط في محتوى مادة التعليم منذ الطفولة حتى الدراسة الجامعية بل ايضا في طرق واساليب تعريف الاجيال الجديدة بها .
لكن لماذا تحولنا الى جمهوريات الموز ؟
حيث كانت جمهوريات الموز اللاتينية ايام السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تابعة لامريكا ،وكانت تلك الدول متخلفة وفاسدة ومتشرذمة ،تتقاتل وتتناحر فيما بينها .
هي دول امريكا اللاتينية التي تطل على المحيط الهادي وتحيط بالبحر الكاريبي ،كالبرازيل والاكوادور وكوستاريكا وفنزويلا وغيرها .
كان يقوم اقتصادها على انتاج الفواكه وفي المقدمة الموز
كانت تتحكم في البداية بسياسات تلك الدول شركات الفواكه الامريكية العملاقة ،ثم بلغ النفوذ الامريكي في هذه الدول ذروته في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وباتت ساحة المؤامرات ومخططات الامريكان قوية حتى اصبح يطلق عليها (الفناء الخلفي للولايات المتحدة الامريكية )
نقلت امريكا هذا المشهد شديد القتامة الذي لف هذه الدول حينا من الدهر الى المنطقة العربية بكامل تفاصيله مع تعديل بسيط خارج ارادتها بسبب التربة الطبيعية التي تزرع الموز هناك ولكن هنا تدفق البترول ، فأحكمت سيطرتها عليه عن طريق شركاتها الاحتكارية ،كما حدث في السعودية والعراق منذ الحرب عليه بعد احكام فك وتركيب المشرق العربي ومنطقة الشرق الادنى ككل ومنطقة القرن الافريقي ،ويمتد قوس المصالح من آسيا الوسطى مرورا بأفغانستان وباكستان وصولا للعراق والخليج العربي واليمن ،حزام البترول وطرق امداده ولبنان وسوريا ومصر والاردن ،لتأمين اسرائيل من دول جوارها وصولا لدول القرن الافريقي والسودان ،ممرات البحر الاحمر، باب المندب طرق امداد البترول .
أمريكا تتلاعب بمصير الشرق الاوسط كما كانت تفعل مع جمهوريات الموز اللاتينية .
لقد خاضت تلك الشعوب اللاتينية صراعات كثيرة لكنها نجحت وانطلقت وحافظت على هويتها .
فهل نفيق من سباتنا ونبتعد عن زرع الطائفية وتفجير الكنائس وقتل الابرياء التي حرم الله الا بالحق ؟ حيث تلك التصرفات بعيدة عن الاسلام ومبادئه السمحة.
حيث بلادنا كلها مباركة لا يجوز ان نسئ لها ونزرع الحقد والبغضاء بها
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله )
قال تعالى :بسم الله الرحمن الرحيم
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في توصية الى جيش أسامة بن زيد ان الرسول (صلعم) أوصاكم:
(الا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا او امرأة ولا شيخا كبيرا ولا معتصما بصومعة ولا تعقروا نخلا او تحرقوه ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا انفسهم اليه).
إننا بأمس الحاجة الى مراجعة شاملة لأوضاع دولنا العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يجمع مجتمعاتها العديد من القواسم المشتركة التي دفعت مفكرين وسياسيين واحزابا الى الدعوة في مطلع القرن الماضي الى وحدة عربية شاملة بقيت حلما لم يتحقق.
كما من الضروري الرجوع الى اهل الفكر في اختيار الايديولوجيا التي تناسب بلادنا ومجتمعنا وهذه الايديولوجيا احتوائية لا اقصائية ،ولا تبقي انظمة الحكم في حالة تخبط في سياستها وبرامجها ، والا يكون هناك فجوة كبيرة بين غالبية شعوب المنطقة وحكوماتها.