مناقشة الموازنة : صخب ومعارك لدى غيرنا يقابلها غياب ومدائح لدينا
حسن الشوبكي
27-11-2008 11:15 AM
ادق ما يجري مناقشته في غرف السياسيين المغلقة هو الموازنة ، تنشب حروب - لا تنطفئ بسرعة - قبل اعدادها في بريطانيا والولايات المتحدة والمانيا ، وتتصاعد خلافات تمس جوهر العمل السياسي خلال مناقشاتها ، لتفضي الى توجهات وارادات جديدة عقب اقرارها .
هذا ما يجري في الكونغرس الاميركي ومجلس العموم البريطاني والبوندستاج الالماني ، فيما يعد التصويت على الموازنة في الكنيست الاسرائيلي تصويتا على الثقة بالحكومة فأن فشل التصويت على الموازنة سقطت الحكومة تلقائيا للارتباط الوثيق بين تمرير الموازنة وبقاء الحكومة الاسرائيلية في الحكم ، انه بعض من قيمة الموازنة في معظم الدول التي تحاسب اوجه انفاق الحكومات واسس عملها وخططها وكيفية ادارة موجودات الدولة .
محليا ، الصورة ليست كذلك ، فاعداد مشروع الموازنة – بحسب اقتصاديين وسياسيين – يتم وفق رؤية احادية كما تريدها الحكومة ، ولم يسبق لحكومة اردنية ان تعاونت او نسقت قبل اعداد الموازنة مع أي جهة ، باستثناء التنسيق التقليدي مع جهات التمويل الخارجية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين بدافع الالتزام لمنع تجاوز الخطوط الحمراء في سياسات التحرير والسوق المفتوحة والخصخصة.
وعندما تطرح الحكومة مشروعها للموازنة على البرلمان ، فان اللجنة المالية والاقتصادية درجت على مناقشة العناوين الرئيسة والتوجهات العامة للسياسة الاقتصادية دون الغوص في تفاصيل تلك السياسات والعناوين ، ويجري عادة الاختباء - كما يرى مراقبون - خلف موضوع محدد كزيادة الرواتب او ربطها بالتضخم او ابقاء الدعم او أي موضوع مشابه ، ويكون هذا التوجه نتاج جهد حكومي لا تضيف عليه لجان البرلمان الكثير .
يتحول المشروع سريعا الى البرلمان لمناقشته ، وهنا يبدأ اهدار الوقت والحديث عن كل شيء باستثناء الموازنة ذاتها ، فنسبة الانفاق على التعليم او الصحة او الدفاع او الزراعة او غيرها من نسب الانفاق الرئيسة في الموازنة لا تحظى بأي حظ من النقاش ، ومحاسبة سياسات الحكومة الاقتصادية تتأجل لصالح الخوض في مطلبية خدماتية يهدف النواب من ورائها الى كسب الناخبين لا سيما وهم يتحدثون امام شاشات التلفزة .
احد النواب يتحدث عن الصرف الصحي في منطقة ما، وأخر يطالب بفتح شارع في قريته، وثالث يكررعلى مسامع الناس تنديدا بحكومة الاحتلال الاسرائيلية ، ورابع يهمس في اذن زميله متسائلا عن تفاصيل وليمة دعي لها الاثنان ، وخامس وسادس ، فيما تبقى خطة الدولة الاقتصادية وحتى السياسية التي تتضمنها الموازنة رهينة للنمطية والتقليد والارتجال والانفاق كيفما اتفق .
ويتساؤل مراقب لموازنات عديدة - جرى تمريرها دون جلبة – عن سبب استمرار خط الانفاق العام في الدولة على نسقه الحالي ، وهو ما يؤشر الى بذخ في بعض الاحيان لا سيما وان مستوى الانفاق الحكومي مرتفع قياسا الى حجم الاقتصاد ، ويعادل اكثر من 40% من الناتج المحلي الاجمالي ، ورغم كل التحذيرات والقلق الذي اعلنه ولا يزال يعلنه صندوق النقد الدولي حيال الاتساع في سياسات الانفاق العام وغير المجدي احيانا والذي يتحرك بداوفع سياسية لا اقتصادية – كما يقول مسؤولون في صندوق النقد - الا ان مجالس النواب المتعاقبة تمرر الموازنات دون ان تقف بقوة امام هذه النقطة المفصلية .
مناقشة الموازنة يوم الثلاثاء الماضي انطوت على غياب نيابي لا يمكن فهمه الا في سياق تجاهل الموازنة شكلا ومضمونا ، فالجلسة المسائية عقدت عقدت بعدد اقل من العدد القانوني المطلوب وهو 56 نائبا ، وانخفض العدد تحت القبة الى 33 نائبا ، من اصل 110 نواب ، فيما لم يقدم – براي مراقبين – من حضر الجلسة طرحا استثنائيا ، بل تركزت الكلمات هو المطالب الخدمية ومدح رئيس الوزراء ، وفي مقابل هذا المشهد بدا رئيس مجلس النواب مهتما بانهاء التصويت على الموازنة اليوم الخميس لكي يخرج قانون الموازنة قبل عطلة عيد الاضحى .
وفي تحليل الحوارات والشتائم والاجواء المتلبدة التي سادت البلاد منذ مطلع العام الحالي تجاه الليبرالية الاقتصادية وبيع اراض الدولة وتوجهات الفريق الاقتصادي والدفاع عما سمي الولاية العامة للحكومة وغيرها من الملفات التي تنامى الجدل بشانها ، يتضح لدى المراقب ان منبر هذه المواضيع وتلك الملفات لم تكن اروقة البرلمان بقدر ما كانت احاديث التسريبات والمهاترات الاعلامية والهمس والثرثرة داخل الصالونات السياسية عقب وجبات دسمة ، اما تحت قبة البرلمان فأن الموازنة وملفاتها الكبيرة تمر دون صخب سياسي او حتى اعلامي .
الغد.