دواعش الأردن .. الخطر القادم
حازم مبيضين
23-04-2017 10:12 AM
لماذا وكيف بلغ عدد الأردنيين النتمين لداعش في سوريا والعراق حوالي 4 آلاف بحسب تقرير لدائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي وكيف تحول الأردن إلى ثاني أكبر مساهم في المتطوعين الأجانب للتنظيم الإرهابي بعد تونس، ولم يعد مقتصراً على مدينة معان الجنوبية حيث باتت مدن الوسط والشمال ميداناً للتجنيد، وإذ يعيد البعض الأسباب إلى واقع اقتصادي يتمثل بتفشي الفقر والفساد وبطء النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة في بلد مشاكل قلة الموارد الطبيعية وصغر القاعدة الصناعية ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والسياحة وتحويلات العاملين المغتربين وقطاع الخدمات، وهو في كغيره من البلدان الفقيرة، يعاني من هجرة الأدمغة، والأيدي العاملة الماهرة وحيث حكومته هي أكبر رب عمل، فإن ما بين ثلث وثلثي العمالة يعيشون على رواتب الدولة.
وإذا تجاوزنا العامل الاقتصادي، وسنعود إلى بعض تفاصيله، فإن من الأسباب الرئيسة لوقوع الشباب الأردني في حبائل داعش، التربية المنزلية حيث يُترك هؤلاء أحراراً بمتابعة المواقع الألكترونية التي تبشر بالجهاد والجنة والحور العين وأنهار من الخمر والعسل، وبعد ذلك يأتي دور المساجد التي يعتلي منابرها سلفيون جهاديون متخصصون في بث روح العداء والكراهية، ومع هذين تتكفل المناهج المدرسية التي وضع معظمها الإخوان المسلمون وهي تنتقي وتبتسر من الآيات ما يتوافق مع الأهداف الإرهابية، وبعد كل ذلك تأتي آفةالمخدرات التي باتت منتشرة بشكل كبير ووصلت إلى مدرجات الجامعات وأبواب المدارس وهي بوابة للسيطرة على الشباب وغسل أدمغتهم ودفعهم وهم غائبون عن الوعي للالتحاق بمن سبقهم من الجهاديين.
يعترف العرب والعالم بالدور الأردني المتميز في مكافحة الإرهاب، لكنهم مع ذلك يتفرجون على ضائقته الاقتصادية الناجمة عن الاضطرابات الإقليمية، وجهوده المبذولة في الكفاح ضد داعش ومن هم على شاكلتها من معتنقي الفكر المتطرف والإرهاب، فضلاً عن تدفق اللاجئين من سوريا وقبلها العراق، إضافة إلى أن انخراطه في التحالف الذي تقوده واشنطن لمواجهة داعش، ما يضعه في دائرة استهدافها، وبديهي هنا عدم تجاهل الرفض الشعبي للعلاقات الطيبة مع إسرائيل خصوصاً وأنها باتت علنية وقانونية بموجب معاهدة السلام معها والتي أُبرمت عام 1994، والعلاقات الوطيدة مع الغرب الداعم لدولة الاحتلال، وخصوصاً واشنطن التي تتبنى مواقفها حتى وإن تعارضت مع القانون الدولي ومن ذلك الاستمرار في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967.
يقول التقرير الأميركي إن "أغلب الشباب المستهدفين غالبا ما يكون لهم وظائف في القطاع الخاص، ونادرا ما يواجهون عوزاً حقيقياً، ومع ذلك، فإنهم يشتركون في شعورهم باليأس والتهميش، وفقدان الثقة في الحكومة لإصلاح الاقتصاد، وتوفير الخدمات، في بلد يواجه منذ بداية العام الحالي مجموعة من التهديدات الاقليمية التي يمكن أن تضعف استقراره الداخلي، خصوصاً وأنه خلال العام الماضي، تزايدت الهجمات الإرهابية الموجهة ضد الأردن فيما ما يزال اللاجئون السوريون يضغطون على الاقتصاد الأردني والنسيج الاجتماعي.إضافة إلى أن تهديد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس سيثير احتجاجات ربما تكون عنيفة، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة أصلاً انتقادات محلية بسبب الإختراقات الأمنية والفساد وسوء إدارة الاقتصاد، ويعوض عن ذلك احترافية الأجهزة العسكرية والأمنية، والسياسات التي كرست الأردن شريكا مهما لواشنطن بشأن القضايا الإقليمية وساعدت في الحفاظ على دعم واسع له من الكونغرس، أتاح لإدارة أوباما والكونغرس تقديم مساعدات وصلت العام 2016 حوالي 1.275 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الثنائية إضافة إلى تمويل وزارة الدفاع في قضايا العمليات والصيانة، لزيادة أو الحفاظ على الأمن على طول حدود الأردنية. إضافة إلى جواز استخدام ما يصل إلى 600 مليون دولار من صندوق الشراكات لمكافحة الإرهاب لتقديم المساعدة للأردن لتعزيز الأمن.
التقرير الأميركي وقبله آخر أصدره مركز الدراسات الألماني "فيريل"، يجب أن يقرع أكثر من جرس إنذار لدى كل الأجهزة المعنية سواء كانت أمنية أوسياسية وخصوصاً الدينية والتربوية حيث تقع المسؤولية الأهم على عاتق وزارة التربية والتعليم، المدعوة للإسراع بإعادة النظر بشكل حقيقي بكل ما يُدرس لأطفالنا، في كتب يتوفر فيها ما يفرق بين المجتمع الواحد، ويعزز الإقصاء والإبعاد، ولا يدعو للتسامح أو يعزز فكر عقلية الدولة المدنية الإصلاحية الحديثة، والخروج العاجل من عباءة التلقين وكتب المتشددين وأحاديثهم الضعيفة والركيكة، والتي لا يعتد بها، والبحث عن موارد فكرية مشعة يزخر بها التاريخ الإسلامي.
وفيما تلفظ داعش أنفاسها الأخيرة في سوريا والعراق، فإن على الأردن أن يكون أكثر حيطة وحذراً، خاصة أن عدد الأردنيين كبير، وهم في نهاية المطاف سيعودون حاملين بالإضافة إلى أحقادهم أفكارا متطرفة، وسيعيثون في البلاد فسادا وإفسادا، وتقابلهم أعداد اكبر بكثير موجودة عندنا، ولا تجد الفرصة السانحة للالتحاق بالتنظيم في سوريا أو العراق، وهؤلاء بمثابة قنابل موقوتة، يتعين الحرص منهم بشكل كبير، ويتعين دراسة الواقع من جديد والتفكير في السبب الذي أوصل أولئك الدواعش لمثل ما وصلوا إليه من تشدد قاتل، وفكر متطرف، ودراسة من أين نهلوا علومهم؟ من شيوخهم؟ أين يجلسون؟ لمن يسمعون؟ على يد من تتلمذوا؟ وما هي الكتب التي يرجعون إليها؟.
وبعد فإن على الدولة الأردنية بكل أركانها التحرك وتحديد وجهة البوصلة بشكل حقيقي إن كنا نريد اجتثاث أولئك من أدمغة أطفالنا فالطريق واضحة، أما أذا أردنا مواصلة مسك العصا من المنتصف فإننا سنفاجأ بالدواعش بيننا يسرحون ويمرحون، وعلى المجتمع الأردني اتخاذ موقف حازم وحاسم، وقطع رأس الحية وليس ذنبها، فالحلول الترقيعية لا تفيد، وإنما الذهاب لاجتثاث أولئك وأفكارهم من الجذور، كما يتوجب منع كل ما يتعلق بهم من كتب، وخاصة تلك التي تحث على الكراهية، وتفتي بجواز جز الرؤوس وحرق الأحياء، وقتل الأطفال نحرا، وغلي الرجال بالماء، ونكاح الجهاد وغيرها من الفتاوى البائسة.
ايلاف