العلاقات مع وبين الدول العربية هي نسخة عن العلاقات داخل العائلة والبيت،الولد العاق يشكل أزمة بنيوية داخل الأسرة وأخلاقية في المجتمع، وتربيته لأولاده تعد كارثة تنعكس على المناخ العام غير السوي،ما يهدد السلم والأمن ويجعل من بقائه المسؤول الأول عن الأسرة كارثة أخرى على الجميع، وهذا ينطبق تماما وبصورة بشعة على القيادة المتهورة لرؤساء الدول خصوصا من ورثوا العصيّ والبنادق من آبائهم الذين نصبوا أنفسهم آلهة تحميها آلات القتل والقمع لحفظ سلامتهم،واستمرار بقائهم قادة عميّ صمّ لا يدركون متغيرات الحياة وانفتاح العالم،ولعل الرئيس الأسد أحد الأولاد العاقّين وواحد من بقايا الدكتاتورية العربية.
الأسد على اعتباره رئيسا للنظام الحاكم في سوريا ،وضع نفسه أخيرا في مقعد المهّرج على مسرح الدمى، فهو وريث نظام مأزوم منذ ستة وأربعين عاما،استغل القادة العسكريون خلالها حاجة القيادة لهم لبناء أكبر مؤسسة فساد محروسة بقبعات الجيش وأقبية المعتقلات،وتضخمت ثرواتهم على حساب الشعب السوري الذي عانى غالبيته من الفقر والكدح لتأمين عيشه، وهم يعيشون في بلد تتدفق فيه الخيرات والثروات ليس النفط والمعادن فقط، بل وكل الزراعات والصناعات والتجارة المحترفة، فالرئيس وأبناؤه وأصهاره والقيادات العسكرية والمخابراتية جميعهم شركاء مع أي تاجر أو صناعي،لهذا نرى اليوم مدى الكارثة التي يعيشها أشقاؤنا في سوريا، فالقيادة السياسية والعسكرية لن تسمح بخسارة مصالحها لو مات الشعب كله.
في عام 1991 غادر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جيمس بيكر عمان الى دمشق للتباحث مع الرئيس حافظ الأسد، ثم عاد الى فندق ماريوت عمان وعقد مؤتمرا صحفيا، ومن جملة تصريحاته قال: لم أقابل رئيس دولة بل قابلت تاجر سجاد، لقد كان يساومني بالسنتميتر على مصالحه، هذا الوصف يتكرر مع إبنه الصغير بشار، فقد نشر جون إلترمان الصحفي والباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي مقالا في أيلول 2013 يلخص حالة بشار الأسد بعد عدة مقابلات لإلترمان معه،وأقتبس النص عنه:» أن التعاون دون مكافأة يكون علامة على الضعف، فإذا أرادت الولايات المتحدة أي شيء على الإطلاق من سوريا، فإنه سيتعين عليها أن تدفع»...
من هنا نرى الزنزانة الضيقة التي يحاول الأسد أن يمد ساقيه فيها، فهو من بناها ليحمي نفسه من الحريق الكبير الذي كان هو سببا في إشعاله، عندما خضع لسيطرة القادة العسكريين والأمنيين القدماء، ولم يعالج الإنتفاضة السلمية بعد مقتل وتعذيب بضعة أطفال في درعا، فاستنجد بالأفاعي ليبطل سحر الواقع ، فاستدعى إيران وقوات الحرس الثوري وجعل سوريا مستباحة للإيرانيين والمرتزقة والمجموعات الإجرامية، ثم جاءته الأفاعي بمليشيا حزب الله والمليشيات التابعة من افغانستان وكوريا وباكستان والعراق، وانسحب من المدن الشرقية ليتركها لداعش وحلفائها، عل الجميع يساعده في البقاء حاكما باسم السلاح، حتى خنقه الجميع بهرول الى روسيا لنجدته،وهو اليوم بات خارج اللعبة،لا يملك القرار ولا يمكنه الفرار.. فمن هو النظام التابع يا ترى ؟!
الأردن قام بواجبه، بل وأكثر من واجبه تجاه الأشقاء السوريين الذين هربوا من ويلات حرب الأسد ومعارضيه، والجيش الأردني استقبل عبر الحدود الملتهبة ما يقارب مليونا ونصف من العائلات والنساء والأطفال، ولم يقتل أحدا منهم، والعلاقات مع الولايات المتحدة ليست طارئة أو سرية، بل هي تحت الشمس منذ خمسينات القرن الماضي، ولكن لعلم الجميع بمن فيهم أبواق النظام في دمشق،الأردن لم يساوم على «حصته» وعلى حساب سوريا،ولو فعل لما بقي الأسد حتى اليوم ليبيعنا تصريحات فارغة وعنتريات المقاومة الكاذبة والممانعة التي ساقها النظام عبر العقود لضمان بقائه والجولان أمام عينيه.
جنوب سوريا طالما كان المنطقة الآمنة بعكس إدعاء الأسد، ويكفي أنه بقي هادئا طيلة ست سنوات حتى جيء بالقوات الإيرانية ومليشيا حزب الله، التي تعمل على تهجير السكان وتغيير الديموغرافيا، وعلى الأسد أن يحاول قطع الحبل الذي بات يضيق على رقبته، فهو من لا يملك القرار ولا السيادة على مؤسساته، وعليه أن يخضع للحل السياسي قبل أن يجد نفسه أمام محكمة جرائم الحرب عما قريب، وعليه أن يفهم أن لعبة حساباته باتت مكشوفة حتى بالإستعانة مع حلفائه، فمعادلتهم للحل ليس لها نتيجة سوى صفر، والصفر في معدودهم هو رقم ولكنه لا يغير في واقعهم شيئا، ومع هذا يصر الأسد على صفره الخاسر.
Royal430@hotmail.com
الرأي