الاعتداء على مدرسة المرقب قبل أيام قليلة ليس سوى مثال جديد على الميل التلقائي للعنف في المجتمع، وتحدي سلطة القانون وهيبة المؤسسات.
نقاش بين ذوي طالب ومعلمه ينتهي إلى اعتداء على أربعة معلمين وتحطيم سيارة أحدهم، وإثارة الفزع داخل المدرسة.
وقعت حوادث مشابهة في السنوات الأخيرة، ما استدعى إدخال تعديلات على التشريعات لتغليظ العقوبات لصون كرامة المعلم والموظف العمومي، لكن ذلك وبكل أسف لم يحدّ كثيرا من الظاهرة.
البيئة التعليمية للمدارس الحكومية لاتساعد على بناء علاقة صحية بين الطالب ومعلمه، ولابين المعلم وأولياء الأمور. ولا تتوفر في تلك المدارس خدمة الإرشاد بشكل كاف. ففي مدارس مكتظة بالطلبة، وهيئات تدريسية لاتجد الوقت لمعالجة الحالات الفردية، عادة ما تؤدي الانفعالات الصفية إلى وقوع احتكاكات خشنة بين الطلبة والمعلمين.
تحتاج الهيئات التدريسية في المدارس إلى تطوير خبراتها التربوية، خاصة في مجال إدارة المشكلات مع الطلبة، وتنمية مهاراتها في التعامل مع الطلبة المتنمرين، والكف عن استخدام العبارات الجارحة والنابية بحق التلاميذ مهما كان سلوكهم.
من الضروري توفير الحماية القانونية للمعلمين، ومواجهة ظاهرة الاعتداءات بكل حزم وقوة، وعدم السماح لأولياء أمور الطلبة بدخول الحرم المدرسي بدون موعد مسبق. لكن ليس من المناسب على المستوى التربوي والأخلاقي أن يمضي المعلمون والطلبة وقتهم بين المحاكم ومراكز التوقيف.
ينبغي العمل بكل الوسائل كي لا نصل إلى هذا المستوى المتردي من العلاقة بين المعلم والطالب، واللجوء إلى وسائل بديلة لتسوية الخلافات، وبناء الثقة المتبادلة، وإعادة الاعتبار لمفهوم المعلم القدوة.
بعد شخصية الأب في البيت، كان المعلم هو القدوة للتلاميذ الصغار. من منا لم يتأثر بشخصية أحد معلميه حتى بعد أن نبلغ مرحلة متقدمة من العمر والمعرفة؟
ليس صحيحا أن معلمي الأمس أحسن من أقرانهم اليوم. هناك وفي كل مدرسة أساتذة يمثلون مصدر إلهام لطلابهم. هذا مايجب العمل على تعميمه، وجعله هدفا من أهداف العملية التعليمية؛ استعادة مكانة المعلم عند طلابه، وبناء النموذج القدوة في السلوك المحترم والمظهر الحسن، والمنطق اللائق، والشخصية القوية والثقة بالنفس.
تمثل مثل هذه الأمور من وجهة نظري لبّ عملية الإصلاح لقطاع التعليم، ولا أظن أنها تغيب عن بال وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز ولا عن القائمين على مشاريع تطوير قطاع التعليم.
يتحمل أولياء أمور الطلبة مسؤولية تربية أطفالهم على احترام معلميهم منذ الصغر، وغرس قيم الولاء للمدرسة والامتثال لشروطها وتعليماتها، وتنمية لغة الحوار الراقي مع الأساتذة، بدلا من التطاول على مقاماتهم والحط من كرامتهم.
نأمل من عملية الإصلاح الجارية لقطاع التعليم أن تساهم في تطوير العلاقة بين المعلم والطالب؛ فتغيير أساليب التدريس، ومحتوى المناهج يجب أن ينعكس على علاقة الطرفين بشكل إيجابي، فمن غير المعقول أو المقبول أن تتحول مدارسنا إلى مخافر، وطلابنا ومعلمونا إلى خريجي سجون. من يرضى بهذه النتيجة؟!
الغد