على هذا المنوال سنتحول في خلال عقد من الزمن إلى أمة من اللاجئين والمشردين. حسب أحدث تقرير للمنظمة الأممية لشؤون اللاجئين، أكثر من نصف اللاجئين في العالم من العرب والمسلمين، 37 % منهم سوريون وصوماليون.
بالأرقام لايقل عدد اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن 57 مليون إنسان، ينتمون إلى 14 منطقة في العالم العربي تشهد صراعات مسلحة ونزاعات أهلية.
وبلغة السياسة والقانون الدولي الإنساني، هذه أمة منكوبة، لن تنعم أبدا بالعيش الكريم والتنمية والاستقرار وهي على هذا الحال.
الملايين يفقدون أوطانهم وهوياتهم، وفرصهم في الحياة والتعليم والعمل اللائق. أطفالهم سيكونون ضحايا للجوع والفقر والجهل، وبنادق في أيدي العصابات المسلحة، وتجار المخدرات والسلاح.
تقارير التنمية البشرية ترصد هذه الكوارث، لكنها لم تلحظ بعد الآثار المدمرة على مستقبل أجيال تائهة في عوالم غريبة. في ليبيا على سبيل المثال سجلت مؤخرا ظاهرة بيع البشر في الأسواق في عودة لظاهرة كافحت البشرية عقودا طويلة للتخلص منها.
عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين أصبحوا بضاعة تتاجر فيهم عصابات مسلحة استباحت الأرض الليبية بعد انهيار الدولة، وتتنازع السلطة فيها بين ثلاث حكومات، ومئات التشكيلات القبلية المسلحة.
مشاهد الآلاف من اللاجئين البائسين على حدود الدول الأوروبية لم تمحَ من الذاكرة. كل من تابعها شعر بالإهانة، ولا شك أن من عاشوا هذه التجربة لن يكون باستطاعتهم مواصلة حياتهم بشكل طبيعي.
الآلاف الذين عبروا في رحلات قوارب الموت، وفقدوا أحبة لهم في جوف البحر لن يتمكنوا من دمل جراحهم يوما.
57 مليون إنسان، والأرقام في تزايد، سيعانون من أزمة هوية طوال حياتهم. قلة منهم سيحظون بفرصة استئناف حياتهم في بلدانهم، وقلة قليلة ستتمكن من التكيف مع ثقافة المجتمعات الجديدة؛ فالمهاجرون من العرب والمسلمين هم الأقل قدرة على التكيف كما تثبت تجارب القرن الأخير. الأغلبية الساحقة ستعيش على الهوامش العالمية. وفي ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها اقتصاديات الدول الغربية، لن يكون الحصول على وظيفة لائقة بالأمر الهين.
الآلاف يعيشون حاليا على برامج المعونات الاجتماعية، أو يضطرون لقبول وظائف لاتتناسب ومؤهلاتهم العلمية والعملية.
نصف أمة بحالها تكاد تفقد هويتها، فيما النصف الثاني مهدد بنفس المصير إذا ما استمرت الصراعات والحروب الأهلية دون حلول جذرية.
ومع تنامي نشاط الجماعات الإرهابية ذات المنشأ العربي، سيواجه اللاجئون في ديار الغربة ضغوطا إضافية تزيد من صعوبات التأقلم والحياة داخل مجتمعات ينظر بعين شك لكل عربي ومسلم باعتباره مشروع إرهابي يدهس المارة في الشوارع.
كانت عديد الدول العربية تواجه حتى وقت قريب، وهي ما تزال، خطر انهيار أنظمتها وكياناتها السياسية، وتبدل حدودها الجغرافية وتركيبتها السكانية، لكن مع تحولها إلى أكبر البلدان المصدرة للاجئين، تواجه هذه الدول خطر اندثار المجتمعات برمتها، لتغدو دولا بلا هوية، سكانها مجرد بشر هائمين على وجوههم في أصقاع الأرض.
الغد