لا مستقبل لدولة ان لم تكن وطناً حقيقياً لشعبها ، ولا تكون كذلك ان لم تحمل مشروعها لبناء الدولة الوطن الذي يحمل رؤيتها الواضحه لصورة الوطن الذي تريده لشعبها . من الرؤية الواضحه تتمكن الدوله من اشتقاق الاهداف العامه التي ينبغي العمل على تحقيقها لانجاز تلك الرؤيه . وعادة ما يحتل هدف اعادة بناء ثقافة المجتمع مقدمة الاهداف العامه لانجاز مشروع الدولة الوطن ، ليس فقط لاهميته الحاسمه كما ثبت من تجارب جميع الدول التي انجزت مشروعها الوطني ، وانما لانه يحمل صفة الاستمراريه لفترة طويله وينطوي تحقيقه على قدر كبير من التعقيد .
تعني ثقافة المجتمع نظرة غالبية افراده لانفسهم داخل المجتمع ودورهم فيه ، ونوعية القيم التي يؤمنون بها ، ونظرتهم للمصلحه العامه والملكيات العامه ، والانفتاح على الاخرين واحترام ارائهم ، ومستوى شعورهم بالمسؤوليه وتحملهم لها ، والاستعداد لتقبل الحوار، وعمل الفريق ، والافكار الجديده ، والرغبه في التعلم والتدرب واكتساب المهارات ، وفي موازاة ذلك كله تطابق سلوكهم العملي مع اتجاهاتهم المعلنه . والاستعداد الثقافي ليس استعداداً فطرياً بالكامل بل يمكن اكتسابه بالتعليم والتدريب والتعرض للتجارب ، وبدوافع الحاجه والضروره وتقليد النماذج الملهمه في المجتمع المحلي والمجتمعات الاخرى . على ان قسطاً وافراً من اكتساب الثقافه الايجابيه المطلوبه يتولاها القانون من خلال دوره في تطبيع اتجاهات وسلوك المواطنين معها في اطار تطبيع العلاقه ما بين رؤية الدوله وثقافة المجتمع.
ثقافة المجتمع العامل الاهم في انجاح المشروع الوطني للدوله ، نظراً لان المواطنين يمثلون العامل المشترك والدائم في خطوات انجاز المشروع والحاضر ايضاً في كافة مراحله . وثقافتهم هي من ستحدد سلامة ومستوى ادائهم في كل خطوة ومرحلة من خط سير المشروع عند التخطيط وعند التنفيذ وعند المتابعه والرقابه والاشراف على التنفيذ وعند التقييم وعند صياغة التغذيه الراجعه. وكثيراً ما يكون السبب في تواضع المنجز الوطني تواضع ثقافة المجتمع في المقام الاول وليس ضعف ارادة الحكومه او ضعف الخطط .
مواطنو الدوله هم المنفذون لمشروعها الوطني ، ونجاحهم في انجاز مهامهم يرتبط بنوعية ثقافتهم التي تحدد مستوى ادائهم وكفاءته في تنفيذ مهامهم ، حيث ان ثقافتهم هي المحدد الاول والاهم لمواقفهم تجاه احترامهم لعملهم وانضباطهم فيه ، والتزامهم بكافة واجباتهم ، والتفاعل مع العمل الجماعي ، وتحملهم للمسؤوليه ، والانخراط في المشاركه وعمل الفريق ، وتقبل الحوار واحترام الرأي الاخر ، والطاعه والولاء لرؤساء العمل ، والهام المرؤسين . وكل ذلك يحتاج الى تعليم وتوعيه وتدريب وتأهيل بشكل مدروس ومستمر.
على ان ما هو اهم وأصعب في مسألة احداث التغيير الايجابي في ثقافة المجتمع والاكثر تأثيراً على السلوك العملي لابنائه هما عاملان : الاول هو الالهام المتأتي من مواصفات وسلوك القاده من الرؤساء والمدراء في العمل ، ومن كبار المسؤولين في المواقع المختلفه في الدوله والمجتمع ، والذين ينبغي ان يمثل سلوكهم النموذج الايجابي الذي يلهم الاخرين ممن يقودونهم في العمل لحفزهم على تمثله والاقتداء به . والثاني هو سيادة القانون التي تتحقق من خلال التزام الحكومه بتطبيقه بقوه وشفافيه ، ومن عدالة تطبيقها له، فيصبح القانون واجب التطبيق على الجميع ولا احد فوق القانون ولا سبيل امام اي كان للخروج عن قواعده او التحايل عليها. وهو ما سوف يجعل الافراد/ المواطنين يحترمون القانون ويلتزمون بتطبيقه .