الاعلام وبيانا راصد والنواب
طارق زياد الناصر
19-04-2017 12:39 PM
زوبعة اعلامية صغيرة اثارها ربما تقرير راصد حول الوفود البرلمانية للمجلس الثامن عشر اثارت عددا من التساؤلات عن طبيعة العلاقة بين راصد من جهة والمجلس من جهة اخرى، وباعتقادي هناك طرف ثالث لا بد من تقييم دوره في مثل هذا الموقف وطرح الكثير من الاسئلة حول دوره، فهل كان الاعلام لاعبا مهنيا محايدا في مجمل ما قدم؟ وهل مارس دوره الوظيفي في المجتمع بالموضوعية المطلوبة؟ وهل نستطيع اعطاء وصف واضح لعلاقة الاعلام مع الطرفين تأثرا وتأثيرا ؟وهل هناك شخصية برلمانية متمكنة اعلاميا تستطيع التعامل مع ما يقدم في وسائل الاعلام من معلومات.
اجابات هذه الاسئلة تبدأ في العلاقة بين التنظيمات المدنية والاعلام والأصل ان يكون الاعلام داعما لأي مؤسسة مجتمعية ،وان تكون هذه المؤسسات مصدرا متجددا للأخبار كمادة اساسية في وسائل الاعلام، خاصة اذا كان مجال اهتمامها القضايا الاجتماعية وخدمة المجتمع ، وهنا لا بد من الانتباه ان راصد في تقريره الاخير استعان بإحصائي محترف يعي كيفية التعامل مع الارقام وتوظيفها بشكل صحيح بحيث يجذب وسائل الاعلام الى تقريره الى درجة الانسياق لدى بعضها دون فهم ما قدمته الارقام وطريقة تقديمه، بما يؤشر بشكل واضح الى ان بعض القائمين بالاتصال لم يحللوا التقرير كما يجب فترجموه صحفيا دون الانتباه الى بنية التقرير الذكية والمرنة القابلة للفهم بأكثر من وجه، وقاموا بعملية النقل الحرفي بدلا من العمل على اعادة ترجمة الارقام بشكل صحي وموضوعي، وهو ما يؤكده ايضا ردود فعل راصد على بيان النواب.
من زاوية اخرى في هذا الموضوع ان المجلس لم يكلف شخصا متخصصا في الرد على تقرير راصد ، ولم يتم تزويد من دافع عن المجلس تطوعا او تكليفا بالمعلومات التي يمكنه من خلالها اقناع الشارع الاردني والتأثير عليه، فلم تأخذ ردود فعلهم ذات الصدى الذي اخذه التقرير، ولم تظهر لغة علمية للرد على الاحصائي الذكي او لغة اعلامية قادرة على الوصول الى الناس ، خاصة وان البيان الصادر عن امانة مجلس النواب اتهم راصد اتهاما صريحا بالعدائية وتضليل الرأي العام، وهنا يجدر بنا ان نسأل مرة اخرى هل في امانة المجلس او في المجلس ذاته شخص قادر على التعامل مع وسائل الاعلام بشكل اكثر حرفية؟، او هل هناك ناطق رسمي باسم المجلس مزود بالمعلومات ويمتلك المهارات اللازمة للحفاظ على صورة المجلس؟ او هل هناك لجنة من لجان المجلس تقوم بهذا الدور؟ واعتقد ان الاجابة واضحة للجميع.
وعلى ما يبدو ايضا ان علاقة المجلس بوسائل الاعلام والاعلاميين ضعيفة بعض الشيء ، ودليل ذلك عدم اعطاء البيان قدرا كافيا من المعالجة والتفسير كوظيفة اساسية للإعلام بينما اخذ تقرير راصد صدى واسع وكبير، ربما كان مرده الى استغلال راصد لوسائل الاتصال الحديثة بما فيها موقع فيس بوك، مع الانتباه الى ان للمجلس ايضا صفحة متواضعة على ذات الموقع، وهذا الامر يؤدي بشكل او بأخر الى ضعف العلاقة بين المواطنين والمجلس ككل، الا اذا انكرنا دور وسائل الاعلام في التأثير على الجماهير وقدرتها على نقل الكم الاكبر من المعلومات لهم.
ختاما المطلوب اليوم من مجلس النواب اولا مراجعة سياساته في التعامل مع وسائل الاعلام وبيان مصداقيته وشفافيته من خلال هذه الوسائل ان وجدت، وثانيا الاستفادة من بيوت الخبرة واهل الدراية في مختلف المجالات في التعامل مع اي هجمة سياسية او رأي معارض للمجلس وتوضيح الحقائق، والمطلوب ايضا من راصد وغيره من مؤسسات المجتمع المدني ان يقدم المعلومات مجردة لوسائل الاعلام وعدم اخذ وظيفة الاعلام في التفسير والتحليل بما في ذلك انسنة الارقام، واخيرا يجب على وسائل الاعلام والقائمين عليها ان تقوم بدورها الاول في البحث عن المعلومة، وترتيبها وتحليلها بشكلها الصحيح وبما يضمن التخفيف من اشكال الصراعات البسيطة او المعقدة في المجتمع، ومن ثم نشرها مبسطة ودون الانسياق وراء المعلومات الجاهزة.
tareq@yu.edu.jo