لم تعش الأجيال الجديدة من الشباب الأردني، ممن يتابعون كرة القدم بشغف شديد، ويتخاصمون على إعجابهم بالنجوم العالميين، على وقع هتافات آلاف الأردنيين ومشجّعي المنتخب الوطني والنادي الفيصلي، التي كانت تهزّ ستاد عمّان الدولي، في الثمانينيات من القرن الماضي، وهي تتغنى باسم خالد عوض، وقد منحه الجمهور لقب "المعلّم"، و"زيكو" (تشبيهاً بالنجم البرازيلي المشهور حينها).
رحل خالد عوض بصمت أمس، من دون مقدّمات، بعد أن تفرّغ خلال الأعوام الماضية لعمله في اتحاد كرة القدم، والإشراف على "الواعدين" الصغار، وهو المشروع الذي أسسه الأمير علي لرعاية الأطفال الموهوبين، وسلّم عوض مسؤولية إنجازه وتقديم خبرته وكفاءته (وهو حاصل على أفضل الشهادات العالمية في التدريب) للجيل القادم من الصغار.
بالرغم من مرور عقود على اعتزال عوض، فلم يستطع أحد أن يملأ الفراغ الواسع الذي تركه سواء في النادي الفيصلي أو المنتخب الوطني، إذ كان معروفاً بمواهبه الفردية المتقنة، وبحضوره المدهش على أرضية الملعب، وشكّل مع جمال أبو عابد ثنائيا استثنائيا في كرة القدم الأردنية، كما كانت عليه الحال للاعبين مبدعين آخرين، مثل إبراهيم سعدية، وتوفيق الصاحب، وغيرهم من نماذج بقيت أسماؤها شامخة في كرة القدم الأردنية.
ما نأمله، على الصعيد الوطني، أن يحظى عوض، الذي خدم وطنه وناديه وكان أسطورة كروية أردنية، بوداعٍ لائق ومعتبر ليس فقط على الصعيد الرياضي، بل الوطني العام، لأنّنا نتحدث عن جندي ونموذج مهم ملهم للشباب، وأحد مصادر القوّة الناعمة للدولة والمجتمع الأردني، فلا يجوز اختزال وداعه ببعض زملائه من الرياضيين، فمثل هذه النجوم الكروية، كما هي حال الفنانين والأدباء والأكاديميين والمفكّرين، من المفترض أن يتم التعامل معهم كثروات وطنية، وفقدانهم خسارة كبيرة، من الصعوبة أن تعوّض بآخرين!
لم تعد كرة القدم اليوم لعبة مقتصرة على فئة، ولا ثقافة تخص مجموعة دون أخرى، بل أصبحت ثقافة عامة، ونمت لها أبعاد اقتصادية وسياسية ومجتمعية، وأصبحت بمثابة "العلامة المسجّلة" (الماركة التجارية) بين الدول والأندية، ومن يراقب الأجيال الجديدة، الصغيرة، يلاحظ حجم التعلّق اليوم بالرياضة وكرة القدم تحديداً، فهذا المجال يمكن بالفعل أن يصنع فارقاً مهماً على صعيد المجال العام، لحماية الأجيال القادمة من المخدرات ومن التطرف.
حتى في صميم الحديث عن التعليم وإصلاحه، فإنّ الرياضة وكرة القدم والفنون تتصدر اهتمام المعنيين، لوضعها كجزء رئيسي من المقررات وتقييم وتطوير شخصيات الطلاب، وللتأكيد على تكاملية التربية والتعليم، فضلاً عن أنّنا نتحدث عن قضية إجبارية تفرض نفسها على الدول والمجتمعات والأفراد، لذلك أصبح ضرورياً أن تعيد مؤسسات الدولة النظر في كيفية التعامل مع الرياضة وكرة القدم، في مختلف المجالات، ونقلها من مستوى الثانويات إلى دائرة الاهتمام، على صعيد البنية التحتية والتدريب والتعليم والإعداد.
يستحق خالد عوض، الأسطورة، وداعاً وطنياً كبيراً، تقديراً واعتزازاً به، فهو في مهاراته وألمعيته لا يقل أهمية عن نجوم الكرة العالمية، وبقي وفيّاً لناديه ووطنه، وظل يطوّر نفسه ويعمل حتى اللحظة الأخيرة.
الغد