لم أزر تركيا لكني زرت التاريخ .لست مؤيدا لاردوغان لكني أكره كمال اتاتورك .ليس من حقي ان اهاجم الرجل واصفه بالدكتاتور لكن من حقي ان اشعر بالقوة حين يتحدث رئيس دولة تربطنا ببلاده علاقة جوار ودين بمنطق القوة مع دول كانت السبب في زرع السرطان الصهيوني في الجسد العربي، حتى لو كانت هذه العلاقة ملتبسة.
التاريخ لا تكتبه المشاعر بل الحقائق على الارض .وسواء كنتَ متديناً ام علمانياً فانك لا تستطيع ان تفصل نفسك عن محيطك ولا عن جغرافيتك .يقول التاريخ ان الخِلَافَةُ العُثمَانِيَّة، هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد من 27 يوليو 1299م حتى 29 أكتوبر 1923م.
بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا .وقد وصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية، وكان للدولة سيادة اسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءًا فعليًا من الدولة مع مرور الزمن، بينما حصل بعضها الآخر على نوع من الاستقلال الذاتي.
كان للدولة العثمانية سيادة على بضعة دول بعيدة كذلك الأمر، إما بحكم كونها دولاً إسلامية تتبع شرعًا سلطان آل عثمان كونه يحمل لقب «أمير المؤمنين» و»خليفة المسلمين»، كما في حالة سلطنة آتشيه السومطرية التي أعلنت ولاءها للسلطان في سنة 1565م؛ أو عن طريق استحواذها عليها لفترة مؤقتة، كما في حالة جزيرة «أنزاروت» في المحيط الأطلسي، والتي فتحها العثمانيون سنة 1585م.
أضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول «القانوني» الذي حكم منذ عام 1520م حتى عام 1566م، قوّة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي.
وبعد انتهاء عهد السلطان سليمان، الذي يُعتبر عصر الدولة العثمانية الذهبي، أصيبت الدولة بالضعف والتفسخ وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئاً فشيئاً، على الرغم من أنها عرفت فترات من الانتعاش والإصلاح إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها إلى وضعها السابق.
انتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية في الاول من نوفمبر 1922، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليو سنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا في 29 أكتوبر من نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية بزعامة كمال اتاتورك.
يبدو ان اردوغان قرأ التاريخ جيداً قبل ان يبدأ التطلع و العمل لان يصبح حاكم تركيا الواسع الصلاحيات .فبعد اعلان نتائج الاستفتاء على تعديل الدستور قرأ الفاتحة على ضريح السلطان السابع محمد الفاتح الذي فتح القسنطينية وكانت تسمى بيزنطة عاصمة الروم أو إسلامبول التي أطلق عليها لاحقا مصطفى كمال اتاتورك اسم إسطنبول عام 1930 ضمن ما سمي إصلاحاته القومية. وقد بشر الرسول محمد «ص» بفتح عاصمة الروم قبل ذلك بثمانية قرون ونصف القرن: «لتفتحنَّ القسطنطينيةَ، فنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش».
لا يخلو حديث لأردوغان من رسائل «عثمانية» لأوروبا .فقد ندد فور اعلان نتائج الاستفتاء بما وصفها «العقلية الصليبية» للغرب بعدما انتقد مراقبون الاستفتاء الذي يحول تركيا من دولة برلمانية إلى رئاسية.وقال لأنصاره لدى وصوله إلى العاصمة أنقرة لرئاسة اجتماع للحكومة معلقاً على تقييم المراقبين «العقلية الصليبية للغرب ولخدامه في الداخل هاجمتنا». وطلب من مراقبي الانتخابات الدوليين أن «يلزموا حدودهم»، وقال إنه ليس من المهم بالنسبة لتركيا إذا علق الاتحاد الأوروبي محادثات انضمامها إلى عضويته.لكأن اردوغان يقول للاوروبيين :كنتم رعايا في امبراطوريتنا العثمانية و ستعودون !
ليتنا نعرف نحن العرب ما نريد .نحدد موقفنا من المتغيرات السياسية في المنطقة كي لا نفقد الارض التي تهتز تحت اقدامنا ومعها هويتنا!
الدستور