تتواصل التصريحات التي تفوح منها رائحة العربدة, التي يُصدرها اركان الادارة الاميركية على نحو تكاد تُسمَع من بين كلماتها ومصطلحاتها المتغطرِسة طبول الحرب, على اكثر من جبهة وتجاه اكثر من عاصمة وتبدو الهجمَة على «موسكو» هي القاسم المشترك في كل تلك التصريحات, للإيحاء واحيانا في شكل مباشر,بِمسؤوليتها عمّا يحدث في المنطقة وتجاه الملف الكوري ايضا, وان كان الغمز الاميركي من قناة «الصين» لم يتوقف, وبخاصة في تصريحات ترامب من ان بلاده «ستتوّلى بنفسها امر بيونغ يانغ اذا لم تتعاون الصين معها».
اعمال موسكو «التخريبية» في اوروبا, تستدعي اجراء محادثات «حازمة»معها وبخاصة في شأن دعمها للحكومة السورية كما قال مستشار الامن القومي الجنرال هنري ماكماستر،، ولم ينس الجنرال,الذي تحيط به كوكبة من ابرز قادة «حزب الحرب» الذي يبدو انه امسك بالبيت الابيض, بعد ان اصابته نشوة كبرى إثر العدوان الموصوف على سوريا والمتمثل باطلاق رشقات من صواريخ توماهوك المُجنَّحة على مطار الشعيرات السوري,والتي ما تزال نتائجها موضع جدل وتسريبات في شأن جدواها ومدى تأثيرها الميداني، رغم ما يواصله الإعلام العربي المُتأمرِك الذي يُمنّي نفسه بِاستعادة امجاد الامبراطورية الاميركية «المُتراجِعة», والذي يتحدث عن «سياسة تأديبية» يتبناها ترامب تجاه سوريا ورئيسها,مُتوهِّما هذا الاعلام العربي المُتأمرِك,ان بمقدور واشنطن تسيّد المنطقة وكتابة جدول اعمالها وفرضه على دولها والشعوب, وكأني بهم لا يعلمون ان للقوة العسكرية حدودا لا تستطيع تجاوزها، وان اميركا الراهنة ليست كُلّية القدرة, حتى لو مضوا قدما في مبالغاتِهم اللفظِّية,وتوهّم ان ترامب اعاد اميركا الى المنطقة بقوة,وانه «قلّم» اظافر موسكو,التي «انفردت» في تقرير مصير المنطقة,منذ ايلول 2015.
اللافت في «الحراك» الاميركي الدبلوماسي والعسكري,هو هذه الحملة المُنسّقة التي يقودها اركان ادارة ترامب على اكثر من جبهة,وبخاصة تجاه كوريا الشمالية التي تُبدي هي الاخرى تصميماً على مواجهة التهديدات الاميركية المُنفلتة العقال، والتي وصلت ذروتها في تصريح نائب الرئيس الاميركي مايك بِنس بأن «عصر الصبر الاستراتيجي الأميركي» مع بيونغ يانغ قد انتهى, اعقبه بنصيحة لكوريا الشمالية بأن( لا تختبر «تصميم» ترامب على مواجهة برنامجيها... النووي والباليستي.)في الوقت ذاته الذي اخذ الجنرال ماكماستر على عاتقه مهاجمة موسكو وتحميلها مسؤولية ما يحدث في المنطقة, بل وفي اوروبا ذاتها على ما قال الجنرال لقناة ABC الاميركية بان «دعم روسيا لنظام الاسد,ادّى الى استمرار حرب اهلية, وتسبب في ازمة مُتفاقِمة في العراق ودول مجاورة... واوروبا، مُضيفا:ان دعم روسيا لهذا النظام الذي هو طرف في ذلك النوع من الصراع، امر لا بد وان يكون محل تساؤل, بالإضافة الى الأعمال التخريبية لروسيا في اوروبا.
هي اذا هجمة تصعيدية تُخفي جملة اهداف استراتيجية, تسعى واشنطن الى تحقيقها بعد ان وجد «حزب الحرب»,داخل الادارة الاميركية نفسه وخارجها,.. في الكونغرس ومراكز الأبحاث والدراسات والمُجمّع الصناعي العسكري النفطي, فرصة ثمينة لاهتبالها, وإلاّ ضاعت عليه.
لنأخذ المسألة الكورية التي اعادها ترامب الى الواجهة, بعد ان سيّر تجاه شواطئها اسطولاً قتالِياً, سارع المراقبون للتساؤل عما اذا كانت بيونغ يانغ ستكون «المسرح» الثاني الذي يُواجه استعراض القوة الاميركية في البحر المتوسط والمحيط الهادئ, بعد ان اثبت «قوته وتصميمه» في ضربة مطار الشعيرات السوري.
واذ يعلم ترامب واركان جيوشه ان «الملف الكوري» اكثر تعقيدا وخطورة من الملف السوري بكثير, وان عليه اجراء حسابات دقيقة وهادئة بعقل بارد,قبل الإقدام على حماقة كهذه، فان الضجيج الذي احدثه وما يزال, يهدف من ورائه الإسراع في نشر منظومة صواريخ «THAAD» المولَجة مواجهة الصواريخ عالية المدى,وهو امر تعارضه بيجين وموسكو بشدة, بل وابعد من ذلك تريد ادارته نشر هذه المنظومة على الاراضي اليابانية, ما يزيد من مخاوف موسكو وبيجين من ان الهدف هو إحداث تغيير استراتيجي خطير في موازين القوى, وهو امر تمنحه الدولتان اهمية قصوى في هذه المرحلة.
في المسألة السورية, وبصرف النظر عن دقة الانباء التي تتحدث عن ان تيلرسون اتفق مع لافروف,على عدم توجيه ضربة «جديدة» لسوريا، فإن ما يحدث في الميدان العسكري على الحدود الشرقية السورية, والإنزال الاميركي الذي تم في دير الزور مؤخراً,يُثير انتباه الدوائر المعنية بالازمة السورية وبخاصة موسكو وطهران، حيث بدأت الاخبار تتسرّب عن مخطط اميركي للسيطرة على اجزاء واسعة من الشرق السوري المحاذي للعراق, ليس فقط بهدف قطع الطريق على ايران للتواصل برّا مع دمشق, وانما ايضاً لبناء قاعدة عسكرية ضخمة بديلا عن قاعدة «انجرليك»التركية, التي قيل ان واشنطن تسعى للانسحاب منها بعد ان «اتعَبَها»... اردوغان.
لعبة مكشوفة اذاً,وضجيج الهجمة الإعلامية لا يستطيع إخفاء النوازع الاستعمارية الاميركية, التي تريد الثأر لهزيمتها في العراق وانسحابها الذليل منه،دون نسيان ان ترامب نفسه,صادَقَ مؤخرا على انضمام جمهورية الجبل الاسود الى حلف الاطلسي, ليرتفع عدد دُولِه إلى «28», رغم معارضة موسكو وتحذيرها من مغبة هذا التوسع الاطلسي المتمادي قُرب من حدودها.(تذكُرون وَصْف ترامب للأطلسي بأنه... عفا عليه الزمن).
واذ نفى مصدر في الخارجية الاميركية مُشاركة بلاده في لقاء «ثلاثي» في جنيف لبحث الازمة السورية على ما كان لافروف تَوقَّع مؤخراً, فاننا نكون امام «انسداد» في علاقات واشنطن وموسكو,لا تحمَّل احدا مسؤوليته سوى «حزب الحرب» الذي بات يمسك بخيوط اللعبة والقرار في إدارة شُرطي العالم «الجديد–القديم... ترامب.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي