لا سبيل للتغيير في أي مجتمع دون التعليم، حقيقة أدركها الأردن وعمل عليها منذ تأسيس إمارة باسم الشرق العربي، وكانت المعارف والبعثات العلمية في صلب اهتمام الحكم، كانت أول البعثات العلمية للجامعة الأمريكية ببيروت فيها ثلاثة من الطلبة الأوائل صياح الروسان وأديب عباسي وحسني فريز، وتوالت البعثات وكان هدف الحكم منها بناء نخبة وطنية تشارك في بناء الدولة، وقصة البعثات لوحدها عمل عليها الباحث الدكتور الزميل ربيع الفرجات في رسالته للدكتوراه بجد وانجز عملاً مهماً.
يقال أن الملك الحسين حين زار حاكماً عربيا، سأله ماذا تفعل لشعبك؟ اجابه الحسين: نبني في كل بلدة مدرسة، تفاجأ الزعيم، ونصح الحسين بوقف ذلك النهج، قائلا إنهم حين يعون سوف يثورون عليك. امتعض الحسين، وقال: شعبي هو من حماني من كل محاولات اسقاطي، فعاد رحمه الله والقى خطابا كانت فيه العبارة الشهيرة «الإنسان أغلى ما نملك»، ولم يكن الأردن إلا نتاج رؤية وطنية اشترك بها الشعب والحكم في إدراك أهمية التعليم والرحلة للعلم.
مدارسنا الأولى كانت في القرى من تبرعات الناس في زمن الإمارة، وقصة المدرسة الأولى وبناؤها تتشابه في كل قرية، والمعلمون الأوائل وسرد الحكايات عن الكتاب والشيوخ متكررة. كأنه ماضٍ نسج بخيوط واحدة، أوجدت اليوم عشرات الجامعات والمدارس وآلاف الأطباء والمهندسين، الذين هم نتيجة لإصرار الشعب على التعليم.
نظام الحكم في الأردن اعتبر التعليم سبيلاً للتنمية، حصل في التعليم الكثير من النجاحات والاختلافات والإخفاقات، ثار جدل خلال العقدين الأخيرين على المناهج وصلاحيتها، لكن الناس من شدة حبهم للتعليم، اختلقوا طرقا للالتفاف على صعوبة تخطي الثانوية العامة فارسلوا أولادهم للسودان وتركيا وغيرها، وبرغم أن الحالات شخصية، لكنها تكشف عن حقيقة الاهتمام بالتعليم حتى ولو كان مظهرياً ولغايات تفاخريه.
الملك عبدالله مُذ تسلم سلطاته واصل نهج والده، فتحت عدة جامعات في عهده، وشارك الجامعات والطلبة في المدارس كل مشاكلهم، تابع بعضها واستمع لها وتدخل مطلع كل عام دراسي في الرسوم وغيرها، وصلت إليه كل التقارير الراصدة لحالة التعليم، منح المكارم للقبول في الجامعات، وسع الشرائح، وهو مدرك بأن قوة البلاد الناعمة ومستقبلها في التربية والتعليم.
التعليم الذي يريده الملك، تعليم مبني على السؤال والنقد والحرية لا التلقين، ويريد عدالة في فرص التعليم، ويريد معلما للمستقبل وطالبا للدولة والأمة، طالبا يعود بخبرات تعليمية خلاقة، وهذا يفترض وجود تعليم نوعي يحث على الابداع.
قصة الأردن تُختصر في التعليم، وفي صبر الناس على الاقتراض لتعليم أولادهم، وفي تخلي الحكم عن تحويل التعليم إلى أيدولوجيا ثورية كما حدث في الجوار وانتهت إلى أنظمة استبداد، ولكن في الحاضر التربوي أسئلة كثيرة ولعل ورقة الملك النقاشية السابعة وضعت الكثير مما يجب الحديث به وعنه وفي المباشرة بعلاجه، فالتعليم عنا ليس بخير وغير مطمئن، لكنه يظل خط الدفاع الأول.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور