مقابلات التوظيف في العالم العربي .. ضرورة عملية أم مسرحية هزلية؟
د. ايهاب عمرو
17-04-2017 01:27 PM
تعتبر المقابلات من أهم الوسائل التي تمكن الجهة المشغلة من الاطلاع على شخصية المتقدمين لشغل الوظيفة، خصوصاً ما لا يمكنهم الاطلاع عليه بواسطة السيرة الذاتية فقط، كمهارات الاتصال والتواصل التي يتمتع بها المتقدمون لشغل الوظيفة، وقدرتهم على الحديث بأكثر من لغة، وفحص مدى إلمامهم وخبرتهم في الحقول التي يعملون فيها، إضافة إلى قياس مستوى الثقافة العامة لديهم. وبالمحصلة النهائية فإن المقابلات يمكن أن تثبت ما جاء في السيرة الذاتية للمتقدمين للوظيفة أو تكشف عن مواطن قوة أو ضعف.
ومعلوم بالضرورة أن تلك المقابلات سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص تتم من خلال لجنة يتم تعيينها لهذا الغرض.
ويفترض في تلك اللجنة الحيدة والنزاهة والابتعاد عن الأهواء الشخصية، والالتزام بمعايير موضوعية ركيزتها الأساسية الأمانة العلمية والمسؤولية المهنية. ويفترض في رئيس اللجنة تحديداً عدم الحكم المسبق على المتقدمين لشغل الوظيفة أو محاباة متقدم معين دون الآخرين لأسباب شخصية أو قبلية أو فئوية أقل ما يقال عنها أنها مقيتة ورخيصة لا تصلح لكي تشكل أساساً لإجراء مقابلات يفترض أن تكون مهنية بامتياز، ذلك أن رئيس اللجنة، متى كان قوياً، يستطيع أن يفرض من يريد من المتقدمين لشغل الوظيفة على أعضاء اللجنة، خصوصاً الضعفاء أو المتلونين منهم، بعيداً عن أية اعتبارات مهنية أو قيمية أو أخلاقية أو علمية، وإنما باتباع سياسة فرعونية عبرت عنها الآية الكريمة "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". وهو بهذا العمل يرتضي أن ينقض الأمانة العلمية التي حمله الله تعالى إياها، ويرتضي أن يحمل نفسا آثمة.
ولعله من المفيد الإِشارة في هذا السياق إلى أن أدهى المشاكل التي تواجه المتقدمين لشغل الوظائف هي ضعف مستوى رئيس وأعضاء اللجنة من حيث المنهجية الواجب إتباعها في إجراء المقابلات، ومن حيث الثقافة العامة والخاصة ذات العلاقة بالتخصص مقارنة مع مستوى المتقدم/ة لشغل الوظيفة، خصوصاً إن كان لدى هؤلاء المتقدمين خبرات واسعة ومعارف في الحقول التي يعملون فيها وإلمام باللغات الأجنبية.
وثمة مشكلة أخرى تكمن في ضعف الرقابة على لجان المقابلات من قبل الجهات الإدارية العليا ما يتناقض مع أصول المتابعات الإدارية واجبة الإتباع، بحيث تقوم لجنة المقابلة بعمل ما ترتئيه دون أدنى التزام بالقواعد المهنية التي تحكم المهنة، وبما يتعارض مع متطلبات التوظيف التي تحتم معاملة كافة المتقدمين لشغل الوظيفة على قدر المساواة ودون تمييز انسجاما مع النصوص الدستورية التي تنص عادة على مبدأ تكافؤ الفرص في تقلد الوظائف، خصوصاً العامة منها.
خلاصة القول، أن معظم لجان التوظيف في العالم العربي، سواء في القطاع العام أو الخاص، لا تلتزم بأية معايير مهنية أو علمية وتحكمها في معظم الحالات الأهواء الشخصية والأمزجة والتحديد المسبق لشخصية من سوف يقع عليه/ا الاختيار لأسباب أقل ما يقال عنها أنها غير مهنية وفئوية ولا تصلح لأن تشكل أساساً لإجراء مقابلات يفترض فيها المهنية والشفافية كونها تتعلق بمصائر أناس قد يكونوا أكثر أحقية بشغل تلك الوظائف، وتتعلق كذلك ودون مبالغة بمصائر المجتمعات العربية ومستقبل أجيالها. والطامة الكبرى أن هذا النوع من المقابلات يتم استخدامه في بعض الجامعات العربية التي يفترض فيها أن تكون المثل والأنموذج، وهذا يفسر ضعف مستوى الطلاب والطالبات في العالم العربي مقارنة مع نظرائهم في العالم الغربي كنتيجة حتمية مترتبة على ضعف الكادر بسبب سوء الاختيار. لذلك، يتعين تشديد الرقابة على لجان التوظيف في تلك الجامعات والمؤسسات كافة سواء كانت عامة أو خاصة من أجل ضمان جودة المخرجات التي يمكن أن يتوصل لها المتقدم لشغل الوظيفة أثناء عمله ما يعود بالنفع على الطلاب والطالبات والمؤسسات وعموم المجتمع، وذلك حتى لا تتحول تلك المقابلات إلى مأساة أو ملهاة أو مجرد إجراء شكلي أو روتيني ليس له أية أهمية علمية أو فائدة عملية ما يشكل مضيعة لوقت المتقدمين لشغل تلك الوظائف.