أستاذ فاضل يفسر آيات من سورة مريم
د. عودة الله منيع القيسي
16-04-2017 01:45 PM
في أثناء الساعة السابعة ، من مساء يوم الأربعاء- 7/7/ 1438هج-4/4/2007م – في قناة –josat) ) الأردنية – تكلم أستاذ فاضل عن آيات من سورة مريم – رضي الله عنها – فوجدتُ أن بعض كلامه يحتاج إلى مناقشة، أبدأُها كالآتي:
1- قال الأستاذ الفاضل المتحدث ، ما معناه : توضيحاً لقوله تعالى : ( وهزّي إليك بذع النخلة .. تُساقط عليكِ رُطَباً جَنِياً ) = مريم—25 = سكـّن القرآن – الطاء- في – تُساقط- ، لكي لا يستمر ّ التساقط إلا ما دامت مريم تحت الشجرة.. ولو رفع الطاء لظلّ التساقط مستمرّاً ، حتى هذا اليوم!!- وسؤالي: من أين عرفت ، أيها الاستاذ الكريم، أ ن الطاء يمكن أن تُرفعَ في هذا السياق، وهي جواب الطلب، وجواب الطلب مجزوم ، دائماً- ؟..القول بأن الطاء لو رُفعت لاستمر التساقط حتى اليوم- هو خرافة من الخرافات الكثيرة التي تضمنها تراثُنا الذي لم ينقح ، حتى الآنَ.. أنت قرأتها في أحد الكتب، وبما أن التقليد غالب على الشيوخ – خاصة، وعلى الناس، عامة، منذُ القرن السا دس الهجري ، حتى اليومَ– نقلتها من دون أن تتبصر بها...
- أقول : والصواب أن جواب الطلب مجزوم ، دائما، ولا يرفع ، أبداً.. أما إذا ظننتَ أنها مثل قول الله تعالى : : (خذْ من أمواهم صدقةً تطهرُهم وتزكيهم بها ...) = التوبة—103= فتطهرهم وتزكيه -جاءتا مرفوعتيْن، وليس مجزومتيْن – فالراء – جاءت مرفوعةً، في تطهرهم، و الياء- لم تُحذف من = تزكيهم ، وهي نهاية الفعل – .= لأن تزكيهم ، وتطهرهم ليستا جواب طلبٍ.. .لماذا ؟ لأن الأمر هنا ، لا يحتاج إلى جواب. لأنه أمر شرعي للوجوب، فالعبارة تمّتْ بقوله تعالى: : (خذ من أموالهم صدقة )- فالصدقة واجب شرعيّ، أي: زكاة .لاكن أراد الحقّ تعالى أن يبيّن ا هذا للطيفة التي يتلطف بها على المتصدقين، وهي أن هاذه الصدقة هي سبيل تزكية لهم ، وتطهُّر، في الدنيا والآخرة ، فالعبارة الثانية ليست مرتبطةً ، نحْويّاً، بالعبارة الأولى ، ولا من حيثُ المعنى اللزوميّ... لاكن في عبارة : ( وهزي إليك بجذع النخلة )- لا يتضح المعنى من – الهزّ- إلا بالعبارة الثانية : : (تساقط عليك رُطباً جنياً)، وإلا .. أصبح الهز – مُبهماً ،فلا يعرف لماذا هذا الأمر الإلاهيّ؟ ولذا.. جاءت – الطاء- ساكنةً، بصفتها.. جواباً للطلب . ملاحظة : لي كتاب في النحو – مؤلف من أربعة أجزاء – عنوانه: = رُؤىً- نحْوية وصرفية – تجديدية = عمان/ دار البداية -غيرت فيه قواعد – ثلث النحو العربي. لأن سيبويه – مدون أول كتاب في النحو العربي.. لم يفقه ْ طبيعة بعض جوانب العربية الفصحى الشريفة.
2- وفسر هذا الأستاذ الفاضل قول الله تعالى : (إني أعوذ بالرحمنِ منك- إنْ كنتَ تقياً) = مريم—18 = بهذا المعنى: إن كنتَ تقياً .. فإني أعوذ بالرحمن منك.. فإن لم تكن تقياً .. فلا أستطيع أن أصرفك بقوتي!! ومثل هذا الموقف لا تقـِـُفه امرأة مطهرة– وهي السيدة مريم- بل- إن المرأة الطاهرة لا تقفه– فكيف المطهرة ! – تقول المرأة الطاهرة- بحزم: إني أعوذ بالرحمن منك ، إن كنت تقياً، أما إذا بدا منك غير ذلك.. فإني لن أمكنك من نفسي، سأستعين عليك بالله – الذي سيمكنني من أن أقتلك ، إن شاء ربي، أو سأنتحر، قبل أن تمسني... وما شابه ذلك من القول الحازم.. إذنْ- ما تفسير الآية الذي يقبله العقل والشرع؟ تفسيرها .. يأتي من دلالة مفهوم الآية – لا من منطوقها. وقد أوردتُهُ في رسالتي الدكتوراه، وعنوانها : = سرُّ الإعجاز في تنوّع الصّيَغ المشتقة في القرآن من أصل لغويّ واحدٍ= عمان / دار البشير- وهو : إني أراك من سمتك وهيئتك رجلاً تقياً.. ولذا.. فإني أستثير فيك تقواك التي لن تسمح لك أن ترتكب الفاحشة، فالرجال التقاة هم أشرف من أن يُقدموا على المعاصي !! وأقول : أظنّ أن هذا المنطق المذكر بالتقوى ، وما يتسلسل منها – كافٍ أن يردعه ، أو هو وسيلتها الأولى عسى أن تؤثر فيه هاذه الكلمات ، فيبتعدَ عنها...فالتفسير – يأتي من المفهوم لا من المنطوق.
- وللتأكيد.. فمثل هذا قول الله تعالى يدعو فيه المرابين إلى ترك الربا : ( اتقوا الله، وذروا ما بقيَ من الربا ، إن كنتم مؤمنين ) = البقرة- 278= فليس المقصود – الشكّ َ في إيمانهم ، أبداً.. وإنما المقصود استثارة قوة الإيمان في نفوسهم، أو تهييج الإيمان في نفوسهم ، لكي يسارعوا إلى – ترك الربا. وهذا هو مقتضى السياق. يؤكد هذا ما بدأت به الآية نفسها ، وهو قول الله – عز ّ من قائل: ( يا أيها الذين آمنوا...)- فكيف يخاطبهم في مطلع الآية بصفة الإيمان ، ثم.. يشكك بإيمانهم ، بعد كُليمات؟؟ تعالى الله عن ذلك عُلوّاً كبيراً!!
3- وقال الأستاذ ما معناه: لقد جاءها الملك بهيئة جميلة، لكي لا تخافه، ولا تجزع منه ؟= أخي الكريم، أنت أخذت هذا من تفسير – الزمخشري – ت- 625---هج – ص-3/ ج10 - أو ممن أخذ عن الزمخشري. ( والمفسرون القدامى من شيخهم – الطبري إلى الزمخشري إلى السابقين على الزمخشري واللاحقين له- كلّهم – عندهم أوهام كثيرة. ولذا.. فالتفاسير الحديثة أقلّ أوهاماً من تلك القديمة )- أجل – أخذته، أيها الأستاذ الكريم، من واحد من هؤلاء، من دون تدبّر أو تبصّر ، لأنك كغيرك.. ترَون أن القدامى لا يخطئون !! وإلا فلو فاجأها هذا الملك ، وهو بصورة سيدنا يوسف – عليه السلام، وهي في خلوتها.. لفزعت منه، وجزعت.. لأن الحُسْن ، هنا، ليس هو الذي يشدّ أعصابها ، ويرك مشاعرها.. وإنما الخوف من رجل – ليكن أعظم رجل- يفاجئها في خلوتها!! وإلا فكيف تستقبل امرأة شريفة رجلاً يُفاجئها ، وهي في خلوتها.. ؟ قطعاً ، لا تستقبله إلا بفزع شديد، ورعب مُبيد!!-
-أقول لك حكاية طريفة: قبل خمسين سنة .. عكفتُ على قراءة الأدب اليوناني القديم – والفلسفة اليونانية : سقراط و أفلاطون وأرسطو - فوردت حكاية في – ملحمة الإلياذة- وهي أن جماعة = أربعة رجال كانوا في البحر. فخرج حوت ضخم، فالْتهم أحدهم... فلما شاهدوا ذلك – فرّوا ، مذعورين، ومضَوْا يجدفون ، بسرعة عالية ، حتى تجاوزوا منطقة الخطر... عندئذ ٍ- جلسوا .. يبكون صاحبهم !! لأن الشعور بالخطر – جمّد- مشاعر الحزن ، وحرك المشاعر الأقوى، وهي مشاعر الهلع والرعب... إذن – المرأة الشريفة ، في خلوتها.. لا يحرك أعماقها، جمال الرجل، أبداً - وإنما يحرك أعماقها شيطان الفزع والجزع!! فلا تسمعنّ لما ورد في الكتب من أقوال هي أقرب إلى الخرافات.
4- أنت، أيها الأستاذ الفاضل - تقول ما معناه بأن النخلة كانت جذعاً يابساً في الصحراء : لا ورقَ ولا أغصا ن...ولاكن الله تعالى – القا در على كل شيء.. جعل لها أغصاناً وورقاً، وأثمرت في الحال.. !!!- أقول: هذا أخي من "خرابيط" القدامى ، وقد قرأته أنت ، وقرأته أنا قبلك - في الزمخشري أو أمثاله !!- لقد أوردتُ في كتابي عن رسولنا الحكيم المعصوم – صلى الله عليه وسلم- وعنوانه: (العصمتان )= الله تعالى الأعظم – عصم رسوله الأكرم من الدنايا، وعصمه من شرور الناس )= وهو مخطوط، ومؤلف من اثني ْ عشَرَ جزءاً -أوردت فيه.. أن معظم المعجزات تجري على قوانين الطبيعة. ولاكن مكثفة ً عشرات المرات ،أما ترى أن أعظم معجزة في الكون ، وهي القرآن - الكريم. .. سار في ألْفاظه على سَنن العربية ، وفي تراكيبه وفي نحوه- كذلك...؟ ومع ذلك – فلا يستطيع الإنس والجنّ أن يأْتوا – بسورة واحدة – من مثله ؟؟- قد تقول : لاكن الله سبحانه على كل شيء قدير.. وأقول أنا: ذلك صحيح ، من حيثُ المبدأ.. ولاكن الله – عزّ وجلّ- أمرُهُ وإرادته ومشيئته ، وقدرته وقدره- كلّها – متسقة ، بعضُها مع بعض.. ولذا قال تعالى : ( قل : إن اللهَ لا يأمرُ بالفحشاء. أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ) = الأعراف –38=-فالله العزيز الحكيم قادر، ولاكنّ هاذه الصفات السابقة – متسق بعضها مع بعض – والله تعالى – يقول: ( وكلّ ُ شيءٍ عندَهُ بمقدار ) = الرعد —8=-ولهذا .. فالمعجزة لا تأتي جزافاً، وبلا مقدار ، وإنما تأتي لمقدار :لأمر مهمّ يستدعيها، فلا بُدّ من – دواع ٍ- بحجم المعجزة. مثلاً : عندما جعل الله العلي القدير - البحر ينفلق لسيدنا موسى – عليه السلام ، وقومه، فيمرّ هو وقمه، ثمّ.. يغرق فرعونُ وقومه – كان لأمر عظيم، وهو – إرادةَ َ أن يقتنع قوم موسى بنبوته، وأن يطيعوه [ ولاكن عصوْهُ !!]- أما أن تكون النخلة في الصحراء، جذعاً يابساً ، ثم يحييها الله القادر، ويجعلها في الحال تورق، سَعَفاً، وتثمر ثمراً.. !1.. فذلك مما لا يدعو له – داع من الدواعي ٍ.. لأن المعجزة في أمر سيدنا عيسى – عليه السلام- ليست .. هنا.. وإنما المعجزة - في أن أمه – رضي الله عنها – المطهرة – بنصّ القرآن – حملت به من غير رجل، وهو – عليه السلام – تكلم في المهد ..!! هاتان هما المعجزتان العظيمان اللذان يليقان أن يكونا دليلاُ على نبوة سيدنا عيسى – عليه السلام، و لكي يؤمن الذين بُعِث لهم – عليه السلام- بنبوته !!
5- ثمّ.. يا أخي الأستاذ، أن السيدة – مريم : ( إذْ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً) = مريم – 16= أي اعتزلتهم إلى مكان شرقيّ بيتهم، ولا بُدّ أنه لا يبعد عن بيتهم إلا أقلّ من كيلة واحدة، لأن هدفها أن تعتكف للعبادة ، وحدَها، لا يَشغلها شيءٌ عنها، وليس أن تغيب في الصحراء . ولا تفعل ذلك امرأة عاقلة مطهرة – كمريم ، إذ ْ الابتعاد يعرضها أن تكون لقمة سائغة – للأصلاب القوية ، والنفوس الضعيفة. وأدنى النساء ، عقلاً .. تدرك أن التطرّف البعيد .. يوقعها في المهالك.. فكيف تفعل ذلك سيدة مطهرة، بعيدة عن التفكّر بالرجال؟؟!! –ثم.. يا أخي الأستاذ، أكان أهلها على طرف الصحراء، حتى إذا ابتعدت عنهم - أقلّ من – كيلة .. تكون في قلب الصحراء ، فتكون النخلة جذعاً يابساً ؟؟- إن أهلها متحضرون ، والحضر لا يسكنون على تخوم الصحراء، وإنما يسكنون في دِفء المدن..ثم..إنه - في التاريخ كلّه من –سيدنا- آدم – عليه السلام- ، حتى اليوم، وحتى تقوم الساعة- لم تنزل دعوة فكرية ،أو دينية في البادية أو الصحراء، لأن البادية تعيش في حدّ – الضرورة.. وحدّ الضرورة – بعيد أهله عن أن يخطر ببالهم فكر – أيديولوجي، أو ديني. وإلى جانب هذا.. فلا يسمح التخلخل في سكان البادية بدعوة فكرية، أو دينية، لأن الدعوات الفكرية والدينية- كالكهرباء: تحتاج إلى مجتمعات متماسكة لا متخلخلة.. والكهرباء - لا تسري إلا في لأسلاك المتصلة، لا انفصال – بينها ...أما رأيت أن أعظم النبوات، وآخرها – وهي دعوة الإسلام – نزلت في مدينة، وهي مكة المكرمة = أمّ القرى؟؟
- أخي الأستاذ ، أنا احترمك ، ولا ألومك ، لأن الشيوخ الكبار ، كلّ يوم.. أسمع منهم كلاماً لا يدخل العقل ، ولا يقبله صحيح النقل..!! ولاكن، لعلّ في هذا تنبيه للجميع – بأنه – ليس كل ما تركه الأسلاف هو ماء زُلال وعسلٌ مصفى، ومعين سلسبيل. والسلام على من اتبع الهدى، وجدّ في الوصول إلى الرشاد والتّقى.