«أم القنابل» اسم لأحد أعظم الأسلحة التقليدية التي تملكها الولايات المتحدة الأميركية، ويصل طول هذه القنبلة (9) أمتار، وتزن (9,8) طن، وهي تتسم بدقة التصويب رغم ضخامتها ويتم وصفها بأنها أضخم قنبلة في التاريخ، وتم تسييرها عبر الأقمار الصناعية، وتعادل قوة تفجيرها (11,000) كغم من (التي إن تي) المعروفة.
لقد جرى اختبار هذا السلاح قبل أيام، أمام العالم وفي دولة إسلامية لا بواكي لها، ولن تجد من يستخدم حق النقض الفيتو لمصلحتها في مجلس الأمن، بل إن سلطات الدولة لن تجرؤ على الاستنكار وقد أعلنت الولايات المتحدة أن عملية الاسقاط تمت بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية، ولكن السبب الأكثر تأثيراً في اختيارها وقوعها على حدود الصين وقربها من الجزيرة الكورية.
قصة «أم القنابل» تشكل عنوان المرحلة السياسية القادمة، وهي الرسالة الواضحة التي جرى الإعداد لها عبر فريق الرئيس «ترامب» الذي يمثل النموذج الأميركي الأصلي، الذي يعلي من شأن القوة الصارمة، المصحوبة بنمط من الغطرسة والاستهتار بكل التراث القيمي الإنساني، وهذا النمط تريده نسبة ليست قليلة من الشعب الأميركي الذي يرى أن القوة هي التي صنعت الولايات المتحدة، وشكلت حضورها العالمي، وهي الوسيلة الأكثر جدوى في التعامل مع العالم على مدار التاريخ، أما الثرثرة حول قيم العدالة وحقوق الإنسان وكرامة الآدمي والتعاون البشري فهذه مجرد زينة تحيط بالقوة الفاعلة.
تشخيص الخطر الأول الذي يحظى بالأولوية على جدول الترتيب لدى الإدارة الأميركية الجديدة يتمثل بالمسألة الاقتصادية، وأصبحت الصين تمثل التحدي الواضح والماثل أمام العيون، حيث إنها تتقدم رويداً رويداً نحو موقع القوة الاقتصادية الأولى عالمياً التي كانت وما زالت محتكرة للولايات المتحدة التي تستحوذ على (3/1) قوة الانتاج العالمي على مستوى الكرة الأرضية، والأمريكان يبذلون جهدهم إلى استمرار هذه المعادلة في المستقبل البعيد، لأن الاقتصاد هو سر «القوة المسيطرة» بكل أشكالها السياسية والعسكرية والأمنية والعلمية والثقافية، وعندما لم تنجح فلسفة منظمة التجارة العالمية في تحقيق الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على أسواق العالم أعلن الرئيس الأمريكي ضرورة المراجعة لهذه الفلسفة التي ألحقت ضرراً باقتصاديات الولايات المتحدة.
تعامل الولايات المتحدة مع هذه الأولوية، سوف ينعكس على معظم الملفات الأخرى مهما كانت درجة سخونتها، فمنطقة «الشرق الأوسط» أصبحت مسرحاً للرسائل المشفرة للحوار مع القوى الدولية، وتم توسيع النفوذ الروسي، وإطلاق هوامش معقولة للقوى الإقليمية المتنافسة، بعد أن نجح مشروع الفرقة والتقسيم داخل الجسم العربي، وزوال الأخطار والتهديدات التي تقف أمام تقدم الكيان الصهيوني الاستيطاني، فلا بأس عند ذلك من تأخر الاهتمام بهذه المنطقة على جدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديدة في المستقبل.
ليس أمام العرب في هذه المرحلة الجديدة طريقة للحفاظ على وجودهم وحضورهم واستعادة قوتهم سوى الذهاب إلى منهجية التنسيق العربي الذي يسعى نحو إيجاد معالم مشروع سياسي عربي يرتكز إلى رؤية سياسية متفق عليها وبعض الخطوط العريضة التي تنطلق من فكرة المصالحة على مستوى الأقطار العربية التي تشهد انقساماً واقتتالاً داخلياً عميقاً، والذهاب إلى إجراء تسويات داخلية عادلة تقوم على منهج المشاركة، ومغادرة مرحلة استخدام القوة والعنف من أجل إقصاء المخالف، ولا بد من الاحتكام إلى الانتخابات الحقيقية خلال مرحلة انتقالية محددة، وإذا لم يستطع العرب بناء قوتهم العربية فهم أمام مستقبل قاتم ومريع.
الدستور