كنا نسمع سابقا، وما زلنا نسمع، عن فاعلي الخير، الذين ينقذون مدينين ومدينات من السجون، وفك المأسورين والغارمين، أمر عظيم عند الله، وبين يدينا هنا حكاية، تستحق ان يقف عندها كل قادر، إضافة الى ما فيها من دلالات عامة.
اكثر من سبعين امرأة سجينات في سجني الجويدة وأم اللولو من مدينة الزرقاء، وحدها، حصلن سابقا، على قروض للمشاريع الصغيرة من صندوق المرأة ولم يتمكن من سدادها، حتى الان، والقروض على قلتها، باتت تدمر عائلات كثيرة.
نشعر بخجل كبير، خصوصا، ان ديون النسوة، تبدأ من مئة وعشرين دينارا، واغلبها بمئات الدنانير، وهذه ديون يستطيع رجل واحد ، فيه نور من الله، ان يسددها، ويطلق سراح السيدات، ويعيدهن الى بيوتهن، والذي يقدم على هكذا خطوة، لا ينقذ سيدات وحسب، بل ينقذ بيوتا بمن فيها، من أطفال وكبار بالسن، وغير ذلك، وهي حكاية، اضعها بين كثرة يبقى الخير فيها غالبا، لعل وعسى.
هناك قصة أخرى، تتعلق بالحديث عن أربعة وثلاثين الف سيدة، ملاحقة من ذات صندوق المرأة، جراء حصولهن على قروض صغيرة، وعدم قدرتهن على السداد.
هذا امر مرعب، واذا كانت اغلب القروض، بمئات الدنانير، ليس اكثر، فمن الواجب إيجاد حل لهذه المشكلة، مع اقرارنا، ان هذه حقوق مالية للصندوق، لكن الا يمكن اعتبار كل قصة القروض الصغيرة، مجرد فخاخ، يتم استدراج الفقيرات والطامحات اليها؟!.
هكذا تتحول القروض الصغيرة، الى مجرد مأزق، والكل يدرك ان لا مشاريع تنجح اليوم، باعتبارها صغيرة، الا ما ندر، ومعنى الكلام، ان القرض هنا، معروف مصيره مسبقا، مع الإشارة الى وجود نماذج لسيدات استدنّ من الصندوق، وقمن بالسداد، وربما الأغلبية تسدد هذه القروض، حتى لا نتهم كل مقترضة بأنها لا تسدد أيضا.
نريد ان نسمع من الصندوق رقما رسميا، عن عدد اللواتي تتم ملاحقتهن، وهل صحيح ان الرقم يصل الى أربعة وثلاثين الف امرأة، واذا كان الرقم صحيحا، الا يؤشر هذا أساسا على أخطاء فادحة في إدارة الصندوق، وسياسات منح القروض، بهذه الطريقة التي تؤدي الى عدم السداد، وتبديد الموارد، وتحويل آلاف العائلات، الى عائلات مهددة؟!.
الكل يفهم معنى ملاحقة امرأة وأم، وسجنها وتدمير عائلة بأكملها من اجل بضع مئات من الدنانير، واذا كان الصندوق سيرد علينا، بجمع الأرقام، التي تم تقديمها كقروض، وتلك الأرقام التي تم تسديدها، وتلك التي لم تسدد، فإن الامر يتجاوز الأرقام، ويتعلق بجانب انساني، مرتبط بانتماء السيدات الى طبقات فقيرة معدمة، مهشمة، تتورط في القرض، لعل نفطا يظهر من تحت قدمي مشروعها، فيصير مصيرها السجن، ويصير مصيرنا الاستماع الى المزيد من الخطابات العاطفية والإنسانية من جانب هذه المؤسسات.
هل يمكن ان نتهم سياسات صندوق المرأة بتوريط السيدات، أم يمكن أيضا، ان نؤشر على خلل مجتمعي، بعدم سداد السيدات، لهذه الحقوق، أيضا، فالحالة متشابكة هنا، ولابد من معالجة كل القصة بشكل متوازن؟!.
هذه قضية يجب ان تثار على صعيد النواب وجهات المجتمع المدني وكل المؤسسات، والاعلام، ونحن بانتظار ارقام رسمية، من كل المختصين.
أنا هنا لا أمنح «حصانة مجانية» تمنع سجن المرأة اذا أخطأت، لكنني اتحدث عن نسوة فقيرات، انزلقن نحو القروض بحثا عن حياة، فإذا بهن إما في السجن وإما مطاردات، والصندوق يتحمل جزءا من المسؤولية باعتباره الذي قدم المال، مثلما تتحمل السيدة مسؤولية أخلاقية وقانونية بخصوص سداد المال، وهي مسؤولية لا يعفيها منها، الا تذكرنا لفقرها في الأساس.
ثم ليتنا نمتلك ذات الشجاعة، في تحصيل مبالغ كثيرة، وملايين تم هدرها، هنا وهناك، بدلا من التشاطر على فقيرات الأردن، وملاحقتهن في الجبال والوديان، فهل تسجن الأمهات، أيها الكرام والكريمات؟!.
الدستور