غدا تحسم تركيا أمرها؛ الدولة البرلمانية العريقة في طريقها للتحول إلى جمهورية رئاسية، سيحكمها رئيس مشبع بالعواطف والانفعالات الدينية والقومية لنحو 12 سنة مقبلة، بعد مدة مقاربة أمضاها رئيسا للوزراء والجمهورية.
غدا سيكون رجب طيب أردوغان رئيسا بصلاحيات واسعة، لم يسبقه إليها أي رئيس تركي منذ 100 عام.
قاتل أردوغان بشراسة للوصول إلى هذه اللحظة، ولم يوفر في حربه سلاحا إلا استخدمه لإقناع الناخبين الأتراك بتأييد التعديلات الدستورية. دخل في مواجهة قومية ودينية مع أوروبا، وخرق كل المعايير الأخلاقية في خطابه المعادي. قدم نفسه كزعيم شعوبي على شاكلة زعماء اليمين المتطرف في هولندا وفرنسا والنمسا.
تفيد استطلاعات الرأي الأخيرة في تركيا أن نسبة من سيصوتون بنعم في الاستفتاء لا تزيد على 52 %، ذلك يعني أن تركيا ستغدو بعد الاستفتاء دولة منقسمة على نفسها، وليست دولة واحدة كما الشعار المرفوع من طرف مؤيدي أردوغان وحزبه.
بالطبع لا يمكن الطعن بشرعية النتيجة ما دامت تمثل رأي الأغلبية حتى لو كانت ضئيلة. لكن وفي مسألة استراتيجية كهوية نظام الحكم، عادة ما تحرص الدول على نيل تأييد الأغلبية الساحقة لضمان أكبر قدر ممكن من الإجماع الوطني، بعكس ما يكون عليه الحال في المناسبات الانتخابية الأخرى كانتخابات البرلمان أو الرئاسة.
ورغم رسائل التطمين التي تبعث بها استطلاعات الرأي لأردوغان ومؤيديه، إلا أن القلق يساور الكثيرين من مفاجأة مدوية كالتي حصلت في الانتخابات الأميركية، خصوصا مع تنامي دعوات المقاطعة للاستفتاء والتصويت بلا من قبل معارضي التعديلات الدستورية. ولهذا حرصت ماكينة الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية على تهميش أصوات المعارضين، وتكفلت أجهزة الحكومة الأمنية بملاحقة المعارضين للتعديلات والتضييق على نشاطهم.
لقد استثمر أردوغان وحزبه على نحو فعال محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي للتحضير لليوم الموعود، فأغلق عشرات محطات التلفزة والصحف، وألقى بمعارضين لحكمه في السجون من بينهم 13 نائبا وقادة في حزب الشعوب الديمقراطي ثالث حزب في البرلمان. باختصار كسر شوكة المعارضة قبل أن يدخل معركة التعديلات الدستورية ليضمن الفوز مبكرا.
المراقبون للشأن التركي في المنطقة والعالم لا يشغلهم كثيرا سؤال النتيجة؛ ثمة قناعة بأن رجل تركيا القوي سيفوز بالسباق. ما يثير الاهتمام أكثر هو سؤال التغيرات المحتملة على مقاربات تركيا الإقليمية، ومصير شبكة تحالفاتها المضطربة مع روسيا والاتحاد الأوروبي وعلاقاتها مع واشنطن، ومن بعد مقارباتها الخاصة بالأزمة في سورية، وعلاقاتها مع الجوار العربي والإيراني.
أردوغان كان حتى يوم أمس غارقا في المواجهة المصيرية الداخلية، لكن بعد غد سيرفع رأسه للنظر حوله، وربما يشرع في حملة لتصفية الحساب، ومراجعة تكتيكاته الدبلوماسية التي أضطر لها بفعل ضغوط الداخل وحسابات المعركة الدستورية.
لن يكون أردوغان في وضع أفضل داخليا؛ فما تزال مصادر التهديد للمشروع الأردوغاني ماثلة على كل المستويات، لكن اعتبارا من هذا التاريخ، يتعين على جميع القوى الإقليمية والدولية التعايش مع كون أردوغان زعيما أبديا لتركيا.
الغد