هل يعود «نجاد» رئيسًا لإيران؟ كل ما قد تريد معرفته عن الأمر
ميرفت عوف
14-04-2017 11:51 AM
عمون- لوحظت كثرة أنشطته. أخذ يثير الحماسة بخطابه الشعبوي في ربوع إيران، لذلك لم يكن تسجيل الرئيس الإيراني السابق «محمود أحمدي نجاد»، لاسمه لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية الثانية عشرة المزمع إجراؤها في 19 مايو (أيار) المقبل قرارًا مفاجئًا.
فمع ترجيح استبعاده من تلك الانتخابات كما يظهر تقرير «ساسة بوست» التالي إلا أن عودة نجاد في حالة خيبة التوقعات لن تكون مرحبًا بها من قبل الكثيرين داخل وخارج إيران، فالرجل صاحب الرؤية التي يصفها البعض بأنها شديدة التطرف، يتخللها المزاج العسكري الخاص به، وفرض السيطرة الاقتصادية للحرس الثوري في الداخل والخارج.
لماذا عاد «نجاد» لساحة الانتخابات؟
رغم إعلانه السابق التنازل عن الترشح للانتخابات الرئاسية لصالح معاونه السابق «حميد بقائي»، إلا أن الرئيس الإيراني السابق «محمود أحمدي نجاد» تراجع عن موقفه، وأخذ خطوة فعلية بتسجيل اسمه لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية الثانية عشرة.
«نجاد» البالغ من العمر 59 عامًا والذي يتزعم جبهة «بايداري» الأصولية المتشددة، يعود سياسيًا إلى الساحة الإيرانية بعد ثلاث سنوات على انتهاء ولايته الرئاسية الثانية.
العودة هذه المرة مدعومة بتياره الذي أوجده داخل الحرس الثوري أثناء فترة رئاسته، وكذلك ببعض النواب في مجلس الشورى، وداخل الجهاز الإداري للدولة، فرغم ترشح نائبه السابق حميد بقائي، ومدير مكتبه إسفنديار رحيم مشائي، إلا أنه لا يريد أن يترك الساحة فارغة من تواجده، «عله يحقق مكاسب تدريجية تسمح له بالعودة ثانية إلى الحياة السياسية خلال الأربع سنوات القادمة»، كما يقول لنا المختص في الشأن الايراني أحمد لاشين.
يذكر أن «نجاد» هو الرئيس السادس لجمهورية إيران، كان قد تولى مهام الرئاسة منذ الثالث من أغسطس (آب) 2005، ثم أعيد انتخابه في 12 يونيو (حزيران) 2009، على حساب منافسه «مير حسين موسوي»، وبقي في الرئاسة حتى 15 يونيو (حزيران) 2013، ويقرأ المحلل السياسي المصري «أسامة الهتيمي» في ترشح نجاد نفسه دعمًا لتلميذه ومرشح التيار الأحمدي النجادي في إيران حميد بقائي الذي ترجح التطورات أن يُستبعد من قبل مجلس صيانة الدستور لاتهام بقائي بواقعة فساد، ويتابع «الهتيمي» القول: «غير أنني أعتقد أن هذا الترشح إنما جاء بإيعاز من القائد التنفيذي والروحي الأعلى في إيران على خامنئي وذلك بهدف إضعاف الكتلة التصويتية المحافظة في البلاد حيث يوجد مرشح آخر للمحافظين وهو إبراهيم رئيس المقرب من خامنئي نفسه».
ويرجع «الهتيمي» ذلك لتحقيق هدفين أولهما: أن تبدو الأمور أكثر ديمقراطية وحرية في إيران وأن أحد المرشحين وهو نجاد يقدم أوراق ترشحه برغم أن خامنئي نفسه نصحه بعدم الترشح، وأما الهدف الثاني وهو الأهم -حسب الهتيمي- تزايد فرص نجاح المرشح المحسوب على الإصلاحيين وهو حسن روحاني الرئيس الحالي ذلك أن إيران تمر بمرحلة ومنعطف تاريخي يستلزم تهدئة الأجواء والحفاظ على أقصى درجة ممكنة من الاستقرار السياسي واستكمال ما بدأه روحاني منذ توليه عام 2013.
هل تطيح قضايا الفساد بـ«نجاد»؟
حرصًا على عدم الظهور بمظهر الضعيف، تشددت السلطة الحاكمة في إيران في منع تسرب قضايا الفساد الداخلي إلى الإعلام والعالم، ومع هذا لا يغفل قيام الحملة الانتخابية لرئيس الإيراني الحالي «حسن روحاني» على محاولات إثبات وجود فساد في عهد أحمدي نجاد، خاصةً أن الأخير ترك الحكم ومعدل التضخم المالي فيها يتجاوز 46%، ومعدل للنمو لم يتجاوز سالب 6%، مع انخفاض قيمة العملة المحلية الإيرانية لنحو 300%.
وظل الإصلاحيون يتحدثون عن فضائح الاختلاسات المالية الكبرى لمسؤولي حكومة «نجاد»، وقالوا إنها بلغت حوالي 70 مليار دولار، وتعد واحدة من أبرز قضايا الفساد التي ظهر فيها اسم نجاد، والتي كانت بعد شهور من فوز حسن روحاني بالرئاسة، هي قضية الملياردير رجل الأعمال «باباك زنجاني» الذي صدر بحقه حكم بالإعدام، فرغم ما أحاط بالقضية من غموض اتهم الرجل بالتربح بأكثر من 2.7 مليار دولار من قيمة ما باعه من النفط لحساب حكومة أحمدي نجاد.
وردًّا على ذلك، اتهم «نجاد» حكومة الرئيس «روحاني» بالبحث عن الوثائق لإدانته، لكنهم لم يجدوا شيئًا، كما قال، كما لم يتردد نجاد بالتهديد بالكشف عن أسماء نافذة متورطة في ملفات فساد فظيعة،بل وصف «نجاد» حكومته السابقة، بأنها الأفضل خلال الـ70 سنة الأخيرة في تاريخ إيران، في مقابل اعتبارها من قبل الإصلاحيين «الفترة الأكثر فسادًا في تاريخ إيران المعاصر».
يقول لاشين: إن الإصلاحيين لم يمثلوا حتى الآن الخطورة الحقيقية على نجاد، فقد كان اليد الضاربة لتواجدهم السياسي خلال أزمة 2009، موضحًا: «لكن المحافظين هم من شهروا بسمعته الإدارية والسياسية خاصة في نهاية فترة رئاسته الثانية، فالصراع السياسي احتدم بشدة بين المحافظين والنجاديين (إن شئنا التعبير) بعد القضاء على التيار الإصلاحي، لذلك فإن أغلب ملفات الفساد كانت منشور ة ومعلومة، لكن لم تثبت أي قضية فساد بشكل صريح، خاصة بعد تدخلات من المرشد الذي قرر تهدئة الأجواء السياسية في نهاية الأمر»، ويستدرك بالقول خلال حديثه لـ«ساسة بوست»: «قد يعمد الآن إلى فتح هذه الملفات للمرة الثانية، في مقابل تصميم نجاد لخوض الانتخابات القادمة، خاصة وأن علاقة نجاد بالمرشد كانت سيئة في نهاية فترته الثانية لتجاوزات نجاد الشخصية في شخص المرشد ذاته، ومزايدته في خطاباته السياسية ذات السمت الديني ضد المرشد ذاته».
أصحاب الخطاب الشعبوي (ترامب ونجاد) إلى أين؟
«ترامب.. النسخة الأمريكية لأحمدي نجاد»، هكذا وصفت صحفية «واشنطن بوست» الرئيس الأمريكي «دونالد
ترامب» خلال جولته الانتخابية، إذ أنه في أكثر من مناسبة التصق اسم ترامب بنجاد خاصة عند الحديث عن الشبه بينهما باعتبارهما قادة متشددين، يشتركون في الخطاب الشعبوي، والسخرية من جميع البروتوكولات الحاكمة ومن المخضرمين في سياسة بلادهم وينتقدوهم.
لقد شكل قيام نجاد بإرساله رسالة إلى «ترامب» عقب فوزه مفاجأة، أعرب عن سعادته لانتخاب ترامب، وقال أن: «فوز ترامب سيكون له انعكاس على الداخل الإيراني خاصة أنه سيعرض الاتفاق النووي الذي أبرمته حكومة حسن روحاني إلى الانهيار»، حسب صحيفة «اعتماد» الإصلاحية الإيرانية.
وفيما رأي الداخل الإيراني في هذه الرسالة «توددًا» للرئيس الأمريكي، بهدف مناكفة روحاني، فلا يمكن نسيان أن فترة حكم أحمدي نجاد تميزت بأزمات سياسية على صعيد علاقاته مع دول العالم، فهو الذي أعلن دائمًا الوقوف في وجه الدول الغربية أو «الطغاة» كما كان يفضل تسميتهم خاصة وهو يتحدث عن الولايات المتحدة وحليفتيها إسرائيل بالإضافة إلى تشكيكه مرارًا وتكرارًا في المحرقة النازية بحق يهودها.
أحمدي نجاد، الذي اشتهر بموقف المعارض للاتفاق النووي، فهو الذي عادى الدول الكبرى لأجل تطوير البرنامج النووي الإيراني لا يمكنه أن يكون رئيسًا في ظل اتفاق يوليو (تموز) 2015 كما ترى المصادر الإيرانية، كما تدرك إيران أن وجود نجاد الآن للوقوف في وجه نظيره الأمريكي من السهل أن يشكل خطرًا يعصف بالثورة الإسلامية ودولتها، كما حدث عند إعادة انتخابه رئيسًا في العام 2009، وهو الذي يصر حتى قبل وقت قصير على التأكيد على أن : «الاتفاق النووي لا يزال حبرًا على ورق ولم يحقق أي نتائج اقتصادية أو سياسية على أرض الواقع». يوضح المتخصص في الدراسات الإيرانية «أحمد لاشين» انه في ظل حالة التطرف الذي يحكم العالم خاصة أمريكا يُعد نجاد نموذجيًا في هذه المرحلة، ويستدرك : «لكن الإدارة الأمريكية لن ترضى عن وجود نجاد في هذا المنصب الحساس، في مقابل الوجه المعتدل الذي فرضته إيران بتواجد روحاني أمام العالم الغربي، وبالتالي قد تؤدي عودته إلى حالة نفور سياسي غربي من إيران، ومبرر جيد لإفساد الاتفاق النووي بشكل نهائي».
من جانبه، يؤكد مدير مركز «ميسان» للدراسات العربية والإيرانية، محمد
المذحجي أنه :«من زاوية السياسة الخارجية وبسبب محاولات دونالد ترامب لإفراغ الاتفاق النووي من محتواه وفرض عقوبات جديدة على طهران، فالنظام الحاكم في إيران بحاجة ماسة لفرض ترتيبات جديدة في بيته الداخلي لإعادة التموضع حسب السياسة الأمريكية التصعيدية ضده»، ويتابع القول: «الحالة التي لا تطلب بقاء حسن روحاني في منصب رئاسة البلاد الذي جاء لإنجاز الاتفاق النووي وقطف ثماره لصالح إيران، الثمار التي لم ولن تتحقق بعد بسبب سياسة ترامب الشرق الأوسطية المعتمدة على تحجيم دور طهران في الإقليم».
هل سيفوز أحمدي نجاد في الانتخابات القادمة؟
«المتشددون يعترفون بأن أحمدي نجاد هو الوحيد الذي يستطيع الوقوف في وجه الإصلاحيين ومرشحيهم»، جزء مما قاله المستشار السابق للرئيس الأسبق محمد خاتمي «سعيد ليلاز».
فرغم أن علاقة نجاد مع بعضهم ما تزال متوترة، إلا أنه يبقى أمل المحافظين بالعودة للحكم في الانتخابات القادمة، فالرجل الذي يملك قاعدة جماهيرية كبيرة سيمكنه الخطاب الشعبوي من حشد التأييد بسهولة، خاصة في الأرياف حيث تزيد شعبيته، ورغم رفض «علي خامنئي» ترشح نجاد بحجة أن الظرف الراهن لا يتواءم مع أفكاره المعهودة، إلا أن المحللين يرجحون الآن أن يكون نجاد حصل على موافقة خامنئي ضمنيًا على الأقل حتى يتمكن من الترشح للانتخابات ومنافسة خصم قوي كروحاني، وهنا يعقب بقول المتخصص في الدراسات الإيرانية «أحمد لاشين»: «بأن نجاد يعتبر أن خوضه للانتخابات ليست تجاوزًا لأمر المرشد لكون توجيه المرشد غير ملزم»، ويضيف: «نجاد اعتبر أن ترشحه في الانتخابات هو كسر لحالة ثنائية القطب بين محافظين ومن تبقى من التيار الإصلاحي أو المعتدل إن شئنا الدقة، كونه يصف نفسه وأتباعه بتيار الاستقلال، أو التيار الثالث الذي لا يمثل التشدد أو الإصلاح، مما يعطي مساحة للناخب الإيراني ـ حسب اعتقاده ـ للاختيار بين متعددين».
وهناك من يرى أن ترشيح نجاد يعزز فرص نجاح الرئيس الإيراني الحالي لولاية ثانية، ويقلل من إمكانية تحقيق تكهنات بعض القادة الإصلاحيين ومنهم محمد رضا عارف، زعيم الكتلة الإصلاحية في مجلس النواب الإيراني الذي توقع أنه من الوارد ألا يترشح روحاني للانتخابات، لذلك يتوقع مدير مركز «ميسان» للدراسات العربية والإيرانية، محمد المذحجي خلال حديثه لـ«ساسة بوست»، بأنه «لن يُسمح لأحمدي نجاد بالترشح ولن يخوض الاستحقاق الانتخابي».
ولتفسير هذه النتيجة يقول المذحجي: «أن ترشح الرئيس الإيراني السابق يخفض ضغوط المحافظين وجماعة الحرس الثوري ومقربي المرشد الأعلى على حسن روحاني، ويشغل ذلك المحافظين في ترتيب بيتهم الداخلي المشتت والمنقسم حاليًا بين 4 مرشحين رئيسيين»، ويضيف «المذحجي»: «من زاوية أخرى، يعلم محمود أحمدي نجاد جيدًا أنه من المرجح أن يمنعه مجلس صيانة الدستور الإيراني من الخوض السباق الانتخابي استنادًا لتوصية خامنئي بعدم مشاركته في الانتخابات، نظرًا إلى أنه وحسب مادة 110 للدستور الإيراني تعتبر توصيات الولي الفقيه بأنها قانون قابل للتنفيذ والاستناد، وأن مجلس صيانة الدستور بإمكانه أن يستند بتوصية خامنئي لإقصاء أحمدي نجاد من المشاركة في الانتخابات بوصفه مرشحًا».
يرى «المذحجي» أيضًا أن: «الإصلاحيين يدعمون ترشح أحمدي نجاد، لأنه يعزز فرص روحاني للفوز، وقد كشفت وسائل الإعلام الإيرانية عن رسائل سرية تبادلها أحمدي نجاد مع محمد خاتمي الإصلاحي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني (قبل وفاته)، فضلًا على عقد عدة لقاءات بين حميد بقائي، كبير مستشاري أحمدي نجاد، ونجله رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، فائزة هاشمي رفسنجاني»، ويختم بالقول: «مراكز صنع القرار الحقيقية في إيران تراهن بشكل كبير على فوز إبراهيم رئيسي. وفوز الأخير تعتبر الخطوة الأهم والأساسية لفرض تلك الظروف والمقدمات، إن كان مجلس خبراء القيادة سيختار إبراهيم رئيسي نائبا لخامنئي، أو سيختار نجل المرشد الأعلى، مجتبی خامنئي، لهذا المنصب».
ويتفق المحلل السياسي المصري أسامة الهتيمي مع ما سبق، ويقول: «فرص فوز نجاد ضئيلة إلى حد كبير، فالشارع الإيراني ليس مستعدًا على الإطلاق للدخول في مغامرات سياسية جديدة، خاصة والأجواء وصلت إلى حد كبير من التوتر سواء على مستوى علاقة أمريكا بإيران بعد تولي ترامب، أو تطور الأحداث في سوريا التي تدعمها إيران وتعتبرها واحدة من أهم قضاياها الخاصة».
ساس بوست