جبوا المغيبة وافتحوا الحقيبة
عدنان الروسان
12-04-2017 07:22 PM
يتوالى مسلسل اتهام الكثير من الشخصيات العامة و التي تشغل أو كانت تشغل مناصب عليا في الحكومة أو الدولة ، و تكتظ ليس فقط مواقع التواصل الاجتماعي بالتهم و التندر بالمسئولين بل إن تقارير عربية و غربية رصينة تقوم بنفس الفعل و تتهم الكثير من المسئولين الأردنيين بالفساد و عدم الشفافية و الإثراء الفاحش بواسطة الوظيفة و المنصب ، و ما يحيرني أن بعض المسئولين يغضبون من هذه الاتهامات و لا يعالجونها بالطريقة الصحيحة التي تنجيهم في الدنيا و الآخرة من الاتهام و العقاب و يلجئون إلى التهديد و الوعيد و يريدون أن يغلقوا مواقع التواصل الاجتماعي و سجن الناس و محاسبة المواقع الإخبارية و الصحافة كلها.
الناس يعيشون في فقر و ضنك و مذلة و مهانة و يأكلون من القمامة ، و يكفي للمسئولين أن يتجولوا خارج نطاق أحياء الفصل العنصري التي بناها ديناصورات العهود الماضية كما قال وصفهم الملك ذات يوم ، في عمان الغربية أو أن يذهبوا إلى منطقة السكة في مدينة الزرقاء مثلا ليروا مقدار الفقر المدقع الذي يعيشه بعض الأردنيين بل معظمهم ، و بالمقابل يرى هؤلاء الفقراء بأم أعينهم وزراء و نواب و أعيان و مسئولين يتجولون بسيارات فارهة ثمن الواحدة يغني حيا بأكمله ، و يقطنون قصورا كتلك التي في هوليوود ، و هم لم يعملوا شيئا في حياتهم سوى أن يكونوا مسئولين أو وزراء أو أبناء مسئولين أو أبناء وزراء أو رؤساء ، أشخاص يتعالون و يتكبرون على فقراء الأردن و يصفونهم أحيانا بالحمير أو الزبالة ، تخيلوا وزيرا يصف شعبه بالحمير و وزير أخر يصف الأردنيين بأنهم باردين وجه ، فقط لأنه شعب شريف نظيف و لا يسرق و لا ينهب من الموازنة ... ياحرام
ثم يدرك أولئك الفقراء أن لا فرصة لهم و لا لأبنائهم في أن يرتقوا يوما ليكونوا من تلك النخبة أو قريبين منها حتى ، فكل ديناصورات النخبة لا يموتون و لا ينقرضون حتى يورثوا أبنائهم ، لا أريد أن اعدد أبناء رؤساء الحكومات السابقين و بناتهم و أحفادهم و كناينهم الذين يشغلون مناصب عالية جدا في الحكومة و الدولة و يتقاضون مرتبات فلكية ليس لأنهم قمة في الذكاء أو عباقرة مثل اينشتاين بل كل سيرتهم الذاتية أنهم ولدوا أبناء رؤساء وزارات .
و هكذا ينقسم المجتمع ، أو ينفصم و يرى أن لا ملجأ له مما هو فيه إلا إلى الله لأنه لا يقدر على مناكفة النخب و لا يستطيع المطالبة بحقوقه و لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى الهجوم الواسع في مواقع التواصل الاجتماعي و العودة إلى الله و بالعودة إلى الله يبدأ بقراءة كل ما يلعن الفساد و الفاسدين في الدين و يصبح لا يرى طريقا للخلاص و بالتالي ينتهي به المطاف مع داعش أو واحدة من أخواتها ، و استطرادا يكون أصحاب المناصب المتهمين بالفساد هم المتسببين بتعاطف شرائح من الناس مع التطرف و التكفير و العنف ، و هم الذين يدفعون الناس دفعا للجريمة و الانتحار و اغتيال الشخصية و غير ذلك.
المسئول أو الوزير أو الرئيس مطالب هو وقبل أن يتهمه الناس بتوضيح كل ما من شأنه أن يضعه في موضع الاتهام ، و مقولات أن كل واحد حر و أن الحديث عن المسئولين و ثرواتهم و نزواتهم ينتهك حريتهم الشخصية كلام لا سند له لا في الشرع و لا في الديمقراطية و لا في العرف ، انظروا إلى الرسول و هو فوق الشبهات صلى الله عليه و سلم ، عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا . فأتيته أزوره ليلا . فحدثته، ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد- فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي فقالا : سبحان الله يا رسول الله . فقال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا ، ثم حينما وقف الخليفة عمر و ما أدراكم ما عمر كان يحكم دولة تمتد من أقصى غرب طنجة إلى أقصى شرق المتوسط و وسط أسيا وقف على المنبر يخطب و قال أيها الناس اسمعوا و أطيعوا ، وقف إعرابي ما بسوى شلن في تقييماتنا هذه الأيام و قال مقاطعا الخليفة يا عمر لا سمع و لا طاعة فثوبك أطول من أثوابنا و أنت رجل طويل القامة فمن أين أتيت بكل ذلك القماش لذلك الثوب ، قال عمر لم تكفني حصتي من القماش من بيت مال المسلمين فأشفق عبدالله ابن عمر على أبيه و أعطاني حصته قال الإعرابي الآن سمعا و طاعة ، و لم يرفع الخليفة عليه قضية عصيان و قدح و ذم عند المدعي العام في المدينة و لم تتناوله أي أجهزة أمنية لمعاقبته و محاسبته ، و بقي الخليفة عالي القدر و الإعرابي آمن في سربه معافى في جسده و رزقه.
ليس محببا أن يشك الناس يبعضهم البعض فإن بعض الظن إثم و لكن ما نراه أيضا يجعل على كثيرين من الصعب أن لا يشكوا و يشككوا و يقولوا إن سوء الظن من حسن الفطن كما قال الشافعي ، ارحموا الناس و ارحموا أنفسكم و رحم الله امرءا جب المغيبة عن نفسه.