تتبع المراقبون ووسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو أول اجتماع لهما في البيت الأبيض، والذي وصفه ترامب بأنه «مكان ذو أهمية خاصة ومكان مميز حقاً.»
وفي هذا اللقاء، حرص ترامب على إبداء إعجابه الشديد بخبرة الملك العسكرية، وحنكته السياسية، والإشادة بقدرات الجيش الأردني، والشعب الأردني المعروف بكرم ضيافته. وقال: «سنعمل جاهدين لنكون مضيافين مثلكم».
بلى. إن التلاحم الكبير بين القيادة والشعب ودلالات هذا التلاحم العظيم والآثار التي تترتب عليها والتي كانت أسلوباً رائداً للحكم يساهم في تعزيز موقع المملكة الأردنية الهاشمية إقليمياً ودولياً.
ليس هذا فحسب، فإن الملكية في الأردن تمتاز بخصائص فريدة جعلتها نسيجاً متميزاً لوحدها. فارتباطها منذ بدايات القرن الماضي بالمشروع الوطني الحضاري ارتباط أصيل ومستمر. كان الملك حسين - تغمده الله برحمته - رمزاً لهذا المشروع النهضوي الذي يستجيب لتطلعات الشعب في المجال السياسي والإقتصادي، ويعد نموذجاً يمكن أن يحتذى في أماكن أخرى.
وفي لفتة ذكية، أجاب الملك عبدالله الثاني على سؤال لأحد الصحفيين في المؤتمر الصحفي حول القضية الفلسطينية قائلاً بأن «الرئيس ترامب يدرك أنه إذا لم يتم حل هذه القضية، فكيف سنتمكن من تحقيق النصر في الحرب العالمية ضد الإرهاب». وأعلن الملك بكل شفافية أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية.
لقد أعاد إلى الأذهان استنكار الملك في المؤتمر الصحفي لأعمال الإرهابيين التخريبية التقدير الذي لقيه من جانب عدة شخصيات حول العالم، وفي مقدمتهم أعضاء البرلمان الأوروبي الذين تتبعوا بإعجاب شديد الخطاب الذي ألقاه الملك أمام البرلمان الأوربي يوم العاشر من آذار/مارس ٢٠١٥. حيث تحدث في ذلك الخطاب الشجاع والمتبصر، عن الإسلام بكلمات بسيطة ومقتضبة لكنها عصية على كثير من الناس. وكان يخاطب أفهام الأوربيين بقدرةٍ لافتة متوخياً فائض المعنى على فائض الألفاظ.
وهكذا وبطاقة الشباب وحكمة الشيوخ وميراث التجارب الغنية لأسلافه الهاشميين، قدم الملك عبدالله الثاني للأميركيين والأوربيين والعالم قاطبة، صورة من التقدم والتحضر، ومعنى للقيادة التي تتميز بصفات إيجابية، وقدرات وإمكانيات وأخلاق أرستقراطية تُظهر فروقاً واضحة بين الحكام والقادة، يعترف بها الأعداء والأصدقاء على السواء، ولا يمكن لأحد أن ينكرها أو يقلل من أهميتها لأنها واضحة وضوح الشمس ومسؤولة عن اختيار القادة لمراكز القيادة والحكم.
والفرق الأساسي بين الحكام والقادة هو أن الحكام يعيّنون لفترة معينة من الزمن ثم يُستبدلون بحكام آخرين، أما القادة فيُنتقون لمراكز القيادة والحكم لفترات طويلة من الزمن وليس من السهولة بمكان استبدالهم بأشخاص آخرين، وذلك للصفات القيادية الإيجابية التي يتمتعون بها.
وهنا تأتي عظمة القائد الممثلة بالملك عبدالله الثاني الذي يختصر الطريق الطويل، ويقطع المراحل الممتدة، ليقدم لشعبه إصلاحات تليق به، يقدمها عن اقتناع بهذا الشعب وبرهاناً على أصالة وتجذر العلاقة الخاصة بينه وبين شعبه.
إن الجالس على العرش الهاشمي لم يشعر يوماً أنه فوق الشعب، بل كان، قولاً وعملاً، دائماً وأبداً، مع الشعب وبالشعب. فمن منا لم ير الملك عبدالله الثاني وهو يعانق الأطفال المرضى ويقود بهم طائرته ليحقق حلمهم؟ ومن منا لم يره وهو يترجل من سيارته ليدفع مع عامة الناس سيارة مغرِّزة في الثلوج؟ وهذا غيض من فيض.