المشهد السوري: رسم على رمال في يوم عاصف!!
د. زيد نوايسة
12-04-2017 02:04 PM
القراءة في المشهد السوري هي تماماً أشبه بمن يرسم لوحة على الرمل في يوم عاصف؛ فالتغيرات المتسارعة والمفاجئة في الموقف الأمريكي، والتي بدأت تأخذ منحى تصعيدي بعد جريمة استخدام السلاح الكيماوي في منطقة خان شيخون في ضواحي مدينة أدلب السورية التي تعتبر الآن قاعدة الارتكاز للمعارضات السورية (الاسلاموية) والمنفذ الرئيسي مع الحليف التركي الذي يرى فيها بوابة تدخله في سوريا بعد انكفائه او إعادة تموضعه على الأقل في منطقة الرقة وريف حلب نتيجة توافقاته أو استجابته للضغوط الامريكية التي ترى أن مصلحتها في التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية لاعتبارات عديدة أهمها غياب الشبهات حول علاقته بداعش ولرغبتها في التأسيس لحضور دائم في المنطقة الشرقية من الرقة وحتى القامشلي التي يتقاسم فيها الاكراد مع العشائر العربية السنية والمكونات الأخرى من اشوريين ومسيحيين وتركمان النفوذ بالإضافة لتواجد حقول النفط والغاز بالإضافة للهدف الاستراتيجي الأهم وهو قطع أي محاولة للتمدد الإيراني جغرافياً عبر العراق وصولاً للبنان وهو ما حذر منه ضمنياً قائد الجيش الأردني أواخر عام 2016 في حديثه لتلفزيون بي بي سي.
الانقلاب في موقف الرئيس الأمريكي ترامب وتراجعه خلال أيام قليله من تركيزه إعطاء أولوية للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي وأن مستقبل الرئيس الأسد ليس من اهتمامات واولويات ادارته؛ الى القيام بضربة عسكرية هي الأولى في إدارته ضد مطار الشعيرات شرق حمص على ما تحمل هذه الرسالة من نسف لكل التفاهمات التي أسست لها الإدارة الديمقراطية السابقة مع روسيا وشكلت بداية تحول خطير في مسار العلاقات الامريكية الروسية وصفها وزير الخارجية الروسي لافروف بأنه عودة للحرب الباردة بين القطبين وتعيد المنطقة كلها الى المربع الأول في الازمة السورية التي دخلت عامها السابع قبل أسابيع؛ يبين بذات الوقت مدى ارباك المقاربة الأمريكية وأن ثمة إعادة في ترتيب الأولويات والمشاريع امريكياً التي كانت تعطي أفضلية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي بل أن الرئيس الأمريكي ترامب أتهم صراحة الإدارة السابقة وتحديدا منافسته على الرئاسة هيلاري كلينتون بأنها من ساهم في ظهور داعش وانتقد كل الأداء الأمريكي وحتى أداء الحلفاء العرب المنخرطين في الازمة السورية.
التصريحات الامريكية التي اتسمت بالتحدي والتحذير لروسيا والتي جاء أعنفها من وزير الخارجية تيلرسون بعد إنتهاء اعمال لقاء مجموعة السبع في إيطاليا بأن على موسكو ان تختار بين العالم وبين طهران والأسد وحزب الله قابلها رد من الرئيس فلاديمير بوتين بأن معلوماتهم أن سيناريو مشابه لما جرى في خان شيخون سيتم الاعداد له في ضواحي دمشق وأن هناك تحرك نحو دمشق من جنوب سوريا واصفاً ما جرى بأنه انتهاك لسيادة دولة وساخراً من حلفاء واشنطن بأنهم كالدمى الصينية يتحركون بالإيماء دون تحليل الوضع. بل أنه يرى أن الوضع في سورية يذكرنا بما حدث في العراق عام 2003 عندما بدأت الولايات المتحدة غزوها لبغداد دون العودة لقرار اممي؛ وبذات الوقت ردت ماريا زخاروف على تهديدات تيلرسون أن لا طائل من لغة الإنذارات معنا ونعرف أساليبكم لكننا نريد فهمكم لذلك لم نلغي الزيارة!! ولعل الإجابة اللاذعة من وزير الخارجية الروسية رداً على نصيحة وزير الخارجية الأمريكي بعدم رقص التانغو معهم "أن امه نصحته بأن لا يلعب مع الصبيان" تبين حجم الاحتقان بين الطرفين، وفي الاخبار الواردة ان الوزير الأمريكي جاء حاملاً معه ملف يتعلق بفرض حظر جوي للطيران لمناقشته مع الروس ولا يعرف هل سيشمل طائراتهم ام طائرات الجيش السوري في حين أن الأولوية الروسية هي عدم تكرار الضربات الامريكية وان روسيا تريد بوضوح معرفة النوايا الحقيقة للولايات المتحدة في سوريا.
الإشارات الواردة من موسكو تشي بأن الضربات العسكرية الامريكية قد تتكرر ولكن ليس بالضرورة أن يحصل اشتباك مباشر مع القوات الروسية المتواجدة هناك بل قد تتصدى منظومة الدفاع الجوي السوري وبالتأكيد بدعم روسي لها. ومن المؤكد ان منظومة الدفاع الجوي إس 300 وإس 400 صارت جاهزة للعمل وبضوء اخضر روسي في حال اشتباك جديد إذا ما فشل لقاء موسكو في الوصول لصيغة ما تنهي حالة التوتر غير المسبوق بين الطرفين وبانتظار التصويت على المشروع الأمريكي البريطاني الفرنسي بصيغته الجديدة الذي سيعرض على مجلس الامن الليلة وربما بعد انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك في موسكو بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي. ولعل التعامل الروسي معه سيعطي مؤشراً مهماً للحكم على مستقبل الأزمة السورية، ولعل ما سيفضي إليه لقاء موسكو سيكون على طاولة البحث بين حلفاء موسكو يوم الجمعة حيث سيصل وزير الخارجية الإيراني ونظيره السوري للقاء سيرغي لافروف لبلورة تصور من العرض الأمريكي في حال وجوده.
أمهر العرافين واحذق الاستراتيجيين "يَحار" في فهم ما يجري في المشهد السوري الذي يعتبر من أعقد الصراعات في المنطقة وربما العالم لتداخل اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين ولتضارب المصالح وتعارض الأولويات. ولعل الغائب الوحيد في المشهد والذي يكتفي بدور تنفيذ ما يطلب منه في هذا الملف هم العرب على اختلاف مواقعهم في هذا الصراع سواء كانوا حلفاء لطرف أو ممولين أو مسهلين للتدخل، وبانتظار صفقة سياسية تتساوى فرص نجاحها مع فرص فشلها؛ المؤكد أننا مقبلون على مرحلة خطيرة بما فيها فرض مناطق آمنه وادارات محلية بدءاً من الجنوب السوري وصولا للشمال في ادلب وحظر طيران وربما قطع الطريق الدولي بين دمشق ودرعا وتواجد امريكي على مقربة من العاصمة، لا سيما وان الاخبار الواردة تشي بقرب هجوم للفصائل المسلحة من أدلب نحو حماة وحلب في سيناريو حذر منه وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان ووزير الدفاع السوري جاسم الفريج في اتصال هاتفي مع سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي؛ وزاد من وتيرة الاستعدادات لأفشال الهجوم المتوقع من فصائل المعارضة بتحصين مناطق تواجد المحور الروسي الإيراني السوري، لكن معظم الدلائل تشي بقرب حدوث عمل كبير ومهم في جنوب سوري وتحديداً في المنطقة الواقعة بمحاذاة الحدود الأردنية السورية الإسرائيلية!!