قضيت يوم الجمعة الماضي كله وأنا أتابع تداعيات الضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية السورية، وتنقلت بين محطات الإذاعة والتلفزيون، والمواقع الإلكترونية، ليس لأعرف ما جرى، فقد كان واضحاً ومصوراً من البحر ومن البر، ولكن لأعرف ما إذا كان هناك ثمة تغير ولو طفيف في طريقة فهم المحللين العرب لأحداث متكررة منذ عدة عقود، أو منذ الحرب على العراق، فلم ألمس أي تغير يستحق التعليق أو الذكر !
تابعت جلسة مجلس الأمن الدولي، وكلمات الأعضاء، فزادت قناعتي بأن الشرعية الدولية لا تزال على حالها، والدول الكبرى قادرة على تطويع ميثاق الأمم المتحدة كيفما تشاء، مثلما هي قادرة على تجاهله وقتما تشاء، وشاهدت كذلك البيانات الصادرة عن الدول، تأييداً أو شجباً للضربة الأمريكية، وردّ الفعل الروسي على وجه التحديد الذي تمّ التعبير عنه من موسكو، ومن مقر الأمم المتحدة في نيويورك، والحصيلة هي أننا نعيش زمناً يمكنك أن تشاهد فيه كل شيء بوضوح سوى الحقيقة!
وكما هو الحال في كل مرة يتعرض فيه بلد عربي لعدوان خارجي، يتحول أولئك القادة الذين فشلوا في صيانة مكتسبات شعبهم والحفاظ على أمن واستقرار دولهم إلى أبطال من وجهة نظر محللين وسياسيين، لمجرد أن الأجنبي قام بضربهم أو غزو بلدانهم، أما أولئك الذين عرفوا كيف يديرون شؤون بلدانهم الداخلية، وعلاقاتها الخارجية، وأتقنوا لعبة التوازنات الإقليمية والدولية حفاظاً على مصالح شعوبهم فهم محل شك واتهام، وربما وصموا بالخيانة لأنهم لم يقوموا بعمل من شأنه أن يعرض شعوبهم وأمتهم لعدوان استعماري غاشم لئيم، يمكن شجبه بأبلغ عبارات التنديد والوعيد، والاستفادة من آراء المحللين السياسيين والباحثين والخبراء العسكريين المتقاعدين بعد فوات الأوان!
ها نـحن في فصل الربيع، الذي ما يزال اسمه مرتبطاً بأسوأ الكوارث التي تعرض لها الوطن العربي "الربيع العربي"، ذلك الربيع الأحمر بلون الدماء المسفوحة، والنيران المشتعلة في الجبال والسهول والوديان، ربيع اختلط فيه كل شيء من طقوس الإقليم والعالم التي تصلح معها النبوءات والتنبؤات، ما لم يدرك كل منا الأرض التي يقف عليها، والموقف الذي ينطلق منه في التعامل مع الأحداث والتطورات.
هل من الإنصاف أن نغض النظر عن ربيعنا الأردني الأخضر الذي صنعناه بالوطنية الأردنية الصادقة، وبحنكة القائد وقدرته على التعامل مع تلك اللعبة التي تشابكت خيطانها، وتعقدت أوصالها، بينما راح بعضنا يكلف نفسه عناء البحث عن الدور الأردني وسط لهيب الأزمة الإقليمية، بدل أن يراه في الأردن ذاته الذي تجاوز المراحل الحرجة، وخاض معركته ضد الإرهاب، وحمى حدوده وأمنه الداخلي، وضمن استمرار الحياة العامة، وحيوية الدولة ومشروعاتها الإنمائية، ومسيرتها الإصلاحية؟!
لقد تابعنا بكثير من الاهتمام كل تفاصيل زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين لواشنطن، ومحادثاته مع الرئيس الأمريكي ترامب، والتي جاءت متزامنة مع تحركات سياسية كبيرة ذات علاقة بمصير المنطقة التي نـحن جزء منها، ولنا أن نتصور حجم المسؤوليات التي يتحملها الملك بصفته رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، فضلاً عن مسؤولياته تجاه بلده وشعبه، لندرك كم نـحن في وضع نـحتاج فيه إلى وقفة مع النفس، نعيد فيها صياغة موقفنا من أمورنا ومصالحنا ومستقبل أجيالنا، وندعم بكل قوتنا موقف قائدنا الذي دعا قبل غيره بـحل جميع مشاكل المنطقة بالطرق السلمية من أجل تجنيب شعوبها الويلات والكوارث التي نعيشها اليوم بأبشع صورها، وهذا ليس موقفاً سهلاً عندما تكون جميع الأطراف متحفزة للقتل والدمار، وإن كان البعض يفهمه على أنه موقف دبلوماسي هادئ، وذلك للأسف فهم قاصر عن إدراك الأبعاد والمبادئ والقيم التي يقوم عليها موقف من هذا النوع، وللحديث بقية.
"الرأي"