عن الخط الإعلامي الماجن !
22-11-2008 04:39 PM
كالديدان، تتكاثر قنوات التلفزة الغنائية الفضائية العربية، التي تبث الفيديو كليب الصاخب، مفعما بالعُري والتثني الجنسي المباشر، على نحو يُضاهي أشرطة الغناء في الغرب. وبعض هذه القنوات، يفتح المجال للفتية والفتيات، لتبادل البرقيات، التي تمر في شريط في أسفل الشاشة، فيما الأجساد تتلوى.
ولا يحتاج المرء للفطنة، لكي يدرك أهداف مثل هذه المحطات، التي تبث مجانا، وتغزو المنازل وتتقصد الناشئة. فالأتعاب مدفوعة قطعا، ولا تحتاج المحطات، لتشفير قنواتها، لتحصيل الأجر من مشاهديها، من خلال بيع البطاقات؛ لأن الغاية هي كسر الموروث المجتمعي الذي يعد أحد سماتنا وعلامات وجودنا وهويتنا، وفتح الآفاق، للشباب والفتيات، لكي يذهبوا بأمزجتهم، إلى اتجاهات أخرى، يستبدلون في سياقها، الحق في التنمية وفي العيش الكريم، بـ "الحق" المتوافر للمتع الحسية، التي تبدأ بتكريس المثال الماجن، وتنتهي بتكريس السلوك المشابه، بالتخفف من قيم الحشمة والعفاف. فهي إذن، قنوات لصرف الانتباه عن مسائل كبرى وأساسية، كالحاجة إلى العمل، والى التنمية، والى الديمقراطية، والى العدالة، والى حرية الأوطان واستقلالها، لكي يتوغل الناشئة، في الاستجابة لإلحاح الجسد، ولا يتوغلون في الجواب عن أسئلة الحياة الكريمة!
الخراب الناجم عن هذه المحطات، لا يُقاس فقط، بمعايير عقائدية، وإنما يُقاس كذلك بمعايير اجتماعية واقتصادية. بل إن الأشرطة الغنائية، المصورة في قصور منيفة، وسيارات فارهة، وملابس فاضحة، وتميل إلى الاستهتار بالأشياء، تُقدم مثالا مشوها لحياة الشاب أو الفتاة، في بلدان مأزومة. ويصبح الشاب، أو الفتاة، حيال مثل هذه الأشرطة، بين مطرقة الواقع الاقتصادي المرير، وانسداد آفاق العمل والمستقبل، وسندان المثال الباذخ حتى الكُفر، لتكون النتيجة، هي الإحساس بالدونية، والانبهار السلبي، أو الاندفاع إلى سلوكيات اجتماعية واقتصادية، لا تحلل ولا تحرّم، وصولا إلى الثراء الحرام، والى شيء من ملامح ما جعلته الصورة، مثالا في الحياة وفي السلوك!
بكل أسف؛ رجال أعمال عرب، أو عناصر من أوساط "البزنس" الطفيلي، يقفون وراء هذه المحطات ويمولونها، فيما يشبه التعاقد الجهنمي، بين مجاهيل خطرة للغاية، يأخذون في الحسبان، اعتبارات الأسواق، والسلع، والمنظومة القيمية، والوعي الجمعي للناس في المنطقة، ومخاطر الانفجارات الاجتماعية ـ الاقتصادية، الناجمة عن سوء الإدارة: التنمية، والديمقراطية، والأمن القومي، والتجارة البينية، وخلافات الحدود والسدود. فالشباب، يمثلون قطاعات حيوية ومخيفة، والواقع انه ما من أحد بمقدوره أن يتبنى مشروعا اجتماعيا ـ اقتصاديا يؤطر الأمنيات، من أولئك المتطفلين على عاداتنا والمقتحمين لبيوتنا، ويفتح لها مجالات التهيؤ الصحي، أو الطموح، فلجأت إلى فتح الثقوب، للغرائز، في الصهريج الذي يغلي، لتنفلت منه الطاقات والتعبيرات، في الاتجاه الذي يكسر موجة الالتزام بخصوصية لقمة العيش، أو موجة التقصي العقلاني للأجوبة، عن أسئلة الحياة الكريمة والطموحات المشروعة!
هذا الخط الإعلامي الماجن، بتوظيف الموسيقى والجسد، ليس في موضع استنكار الإسلاميين الذين يجدون أنفسهم في عبارات الاستنكار كي يستميلوا عامة الناس المحافظين على قيمهم فحسب، وإنما كان وما يزال في موضع استنكار، كل المناهج الجادة للنهوض بالأقطار النامية، مثلما كان مرفوضاً من الشيوعية نفسها، باعتباره منحى "رأسمالياً" شديد الإسفاف واللؤم. وفضلاً عن قنوات الموسيقى مع العُريْ، هناك الاستخدامات الفاجرة، المتاحة، لشبكة الإنترنت، حيث "غُرف" الحوار المباشر، التي تفتح قنوات الاتصال بين الباحثين عن المتع الحسية، بالطرق غير المشروعة، وتؤسس للتحول الاجتماعي، في الطريق الذي يرسمه الآخرون لمجتمعاتنا!
مرت أكثر عشر سنوات، على بدء هذا المنحى الإعلامي للتلفزة، لنؤكد أنه لا بد من مسؤولية يضطلع بها الإعلاميون والأخصائيون الاجتماعيون. بل إن مسؤولية أولياء أمور الشباب والفتيات، باتت مضاعفة، إزاء مثل هذا الغزو الفضائي والالكتروني العارم، لكي لا ينشأ جيل ضائع، يحصر آماله وتطلعاته، في مساحات من الجسد، لا في مواطئ أقدام، في الدنيا وتحت الشمس!