المسألة هذه المرة ليست شغباً عادياً على المواقع القيادية العليا، وليست نأياً بالنفس عن أشخاصها، وإنما استغلال التفاعل والتواصل عبر الفيسبوك – الأكثر استعمالاً في الاردن- في التشهير والتجريح والإساءة.
هو خروج عن الأخلاق والعرف والقانون، يُقدم عليه من ينصب نفسه قاضياً أو مصلحاً ليقول كلمته ويمضي منتهكا كل القيم والمبادئ. وفي طيات كلامه يبث الكراهية والفتنة وروح التشكيك بمؤسساتنا الوطنية على منوال خوارج العصر، داعش واخواتها.
أتابع عاصفة الآراء بين الأردنيين عن الفساد في بلدهم ومن يصغي يظن أن امورنا وأحوالنا تسير بالفساد، وان الثراء مصدرة الفساد حتى أصبحت رموزنا وقيادات مؤسساتنا محلاً للتشكيك والاتهام. أريد قبل أن أكمل ان أسجل أنني اعتبر الفساد آفة الدول وسبب وزوالها وأسجل ايضاً أن مواقع التواصل رغم أهميتها كوسيلة لتبادل الأفكار والمعلومات والمعارف، وتنمية المهارات والأفكار الإبداعيّة إلا أنها تستخدم ايضاً كمنصات للكراهية والإيذاء النفسي والمعنوي وعامل هدم للمجتمعات غير الناضجة قبل دولها.
كانت المخاوف من وسائل الاعلام التقليدية (كالجرائد ومحطات الاخبار) قليلة بسبب الاختصاص الاعلامي والرقابة على المعلومات المنشورة والمذاعة. الا ان الدور الذي تلعبه وسائل الاتصال الاجتماعي تعاظم على نحو يصدق فيه تلفيق الاخبار الكاذبة على حساب الحقائق، وهذه إشكالية عميقة. فما هي الاخبار الزائفة أو الكاذبة؟ هي المعلومات الوهمية التي توزع على الانترنت بشكل متنكر لتبدو كأنها قصص إخبارية حقيقية.
الاخبار الزائفة اصبحت ظاهرة تعرف ب «عالم ما بعد الحقيقة»، على رأي الصديق عماد الرواشدة؛ عالمٌ تراجع فيه دور الحقيقة في تشكيل الرأي العام. عالم تسيطر عليه الخطابات الشعبوية المتكئة على تأجيج العواطف والمخاوف.
تختلف الاسباب والدوافع خلف نشر الأخبار الزائفة، فقد تكون دوافع مالية (لجذب حركة المرور على الإنترنت أو زيادة الدخل الإعلاني). وقد تكون شخصية (إلحاق الأذى بسمعة الفرد أو الأعمال) أو سياسية (للتأثير على الرأي العام أو على أيديولوجية الجمهور).
هذه الدوافع لنشر الاخبار الكاذبة عرضت فيسبوك على وجه الخصوص لانتقادات مختلفة لدوره في انتشار الأخبار المزيفة في الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية لعام 2016، فبدأ بوضع تدابير لمكافحة توزيع المعلومات الكاذبة بحيث تشمل تطوير أساليب لتحديد المحتوى الأصيل، والإبلاغ عن المحتوى الكاذب.
في حين أن هذه التدابير قد تصبح وسائل فعالة للحد من دور وسائل الاعلام الاجتماعية في نشر المعلومات الكاذبة، إلا أنها ليست كافية مما جعل دولاً عديدة تلجأ الى وضع تشريعات لضبط وتنظيم المحتوى الرقمي.
في "اسرائيل"، وافقت حكومتها على قانون الفيسبوك الجديد الذي يخول المحكمة إجبار المنصات الإلكترونية على إزالة التحريض من صفحات مزودي محتوى الانترنت، مثل فيسبوك و غوغل بناء على طلب من الدولة عندما تعتبر المادة إجرامية أو تعرض سلامة فرد أو قطاع من المجتمع أو البلد ككل للخطر. ردة فعل فيسبوك على القانون الإسرائيلي الجديد كانت أن أمن مستخدميها هو الأهم، وعدم التسامح مطلقا مع الإرهابيين وتمجيد أعمالهم والتحريض على العنف في العالم الحقيقي.
كذلك وافقت الحكومة الألمانية على مشروع قانون لغرامات على شبكات التواصل الاجتماعي تصل إلى 50 مليون يورو (53 مليون دولار) إذا أخفقت في إزالة الأخبار المزيفة وخطابات الكراهية و/أو حظرها التي يبلغ عنها المستخدمون بسرعة وخلال 24 ساعة. وتدفع الحكومة الالمانية الى تبني هذا الطرح على مستوى دول الاتحاد الاوروبي.
منظمات حقوق الانسان تذهب الى ان إقرار هذه القوانين يقيد الحريات الإعلامية وحرية التعبير، فيما يرى آخرون أن مواقع التواصل بحاجة للتنظيم.
في جميع الاحوال إن حرية التعبير لها أهمية كبيرة في حياتنا، لكن حرية التعبير تنتهي عندما تمس حقوق الآخرين وحرياتهم.
المحتوى الرقمي على شبكات التواصل الاجتماعي بحاجة الى تنظيم تشريعي لمعالجة الاخبار الزائفة واي مشروع قانون يجب عليه الاجابة على التساؤلات الجوهرية التالية كخط فاصل مع حرية التعبير، ما هي الاخبار الزائفة؟ ومتى يصبح التعليق عليها خبراً زائفاً؟ ما تأثير هذه الاخبار الوهمية على الرأي العام؟ هل هناك فرق في طريقة الناس في الاستخدام والاستجابة للأخبار الوهمية؟ ما هي مسؤوليات محركات البحث ووسائل الاعلام الاجتماعي؟
تحقيق السلام الاجتماعي ركيزة لاستقرار الوطن وأمنه وبذات الوقت الضامن لخصوصيات وحياة مواطنية.