حكومة تنظر بعين الريبة إلى المساجد
أ. د. انيس الخصاونة
10-04-2017 11:35 AM
منذ عام ونيف بدأت خطب الجمعة في المساجد الأردنية تتخذ منحى مختلف عما اعتدنا مشاهدته وسماعه من الخطباء الذين كانوا يتناولون في السابق شؤون الأمة وواقعها المأساوي في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وسائر أصقاع بلاد الإسلام والعرب. نعم كنا نسمع قضايا ذات صلة بالواقع وتلامس مشاعرنا وآلامنا وهمومنا وكان الخطباء يتناولون الأحكام الشرعية وموقف الإسلام من هذه القضايا.
وعلى ما يبدوا أن الحكومة قد نجحت في السيطرة التامة على المساجد وفصلها كليا عن الواقع السياسي الذي يحيط بها عبر تعليمات وإيعازات مكتوبة أو غير مكتوبة للخطباء الذي أصبحوا يخصصون خطبهم لموضوعات تصلح أن تستهدف جمهور من حديثي العهد بالإسلام أو من الذين نحاول استمالة قلوبهم للإيمان .لا أعلم عن مدى صلة وفائدة تخصيص خطبة عن نواقض الوضوء ،أو أجر صوم يوم عاشوراء ، أو عن نعمة الأمطار ، أو الموقف الشرعي من الطلاق على الواتس أب ، أو شفط الدهون في الوقت الذي لا يتحدث هؤلاء الخطباء عن شفط موازنة الدولة وبيع الفوسفات وشفط موازنتها من قبل الكردي!!!
لا أعلم كيف يستقيم الأمر للحكومة وخطباء الجمعة أنفسهم يقوموا بالحديث عن نواقض الوضوء في الوقت الذي يتم تقسيم اولى القبلتين وثالث الحرمين وانتهاك حرماته من قبل اليهود!!! لا أعلم كيف يري خطباء الجمعة أنفسهم وهم يتحدثون عن نعمة الأمن والأمان وهي الشيء السياسي الوحيد المسموح بالحديث فيه وعنه من قبل الحكومة في الوقت الذي يتم تقسيم الجارتين سوريا والعراق وتقتيل أبناء المسلمين واستحياء نسائهم وتدمير بيوتهم من قبل حزب الله وإيران ونظام الأسد وطائرات قيصر روسيا الجديد!!!
قبل سنتين كنا نذهب من جبل إلى جبل في عمان ومن مسجد إلى مسجد لنستمع لخطبة الجمعة من خطيب يتناول شأنا مهما من شؤون الأمة ونستفيد من قضايا يعرضها سواء كنا متفقين أو مختلفين مع نهج الخطيب لكن لا خلاف على أهمية وصلة وحيوية موضوع الخطبة. الحكومة تريد على ما يبدوا أن تفصل الدين عن الدولة وتريد أن تعزل المساجد عن بيئتها عن طريق تضييق دورها وحصره في العبادات مثل مفسدات الصوم ، ونواقض الوضوء ، وحرمة ملامسة النساء ،وتنميص الحواجب ،وتكبير الثديين ، وتضخيم الشفاه وربما ﻻحقا ربط اﻻلسنة أو قصها. الحكومة الأردنية وبمساعدة أئمة وخطباء عصريين وديجتاليين من الساعين للألقاب والمناصب تسعى للإفادة من تجربة بعض دول الخليج العربي التي جعلت المساجد شبيهة بالدوائر البيروقراطية تتلقى خطب الجمعة مكتوبة من وزارات الأوقاف وكل ما على فضيلة الأمام هو تلاوتها بصوت جهوري يبرق ويرعد ويدعوا للمسئولين بالسداد والتوفيق وأن يرزقهم الله بالبطانة الصالحة .نعم يبدوا أن حكومتنا استهوتها قضية فصل المساجد عن واقع الأمة وتريد أن تقلد تجربة بعض جيران المملكة الذين نجحوا في إطلاق يد وحناجر خطباء المساجد ورجال الدين في موضوع العبادات وأحكام تقصير الثوب أو إطالته ،وخروج المرأة إلى السوق بصحبة محرم في الوقت الذي منعت لا بل حرمت المساجد وأئمتها من أي دور سياسي حيث احتفظت واحتكرت هذا الدور لنفسها. على الحكومة أن تدرك بأن أمن الدولة واستقرارها لا يتأتى بمحاصرة المساجد وجعلها جزر منعزلة عن بيئتها ولا بمنع الخطباء من الحديث في شؤون الأمة .المساجد منذ فجر الدعوة المحمدية كانت منابر تتناول شؤون الأمة وقضاياها وعلى الحكومة أن تراجع خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب الخلفاء الراشدين من بعده ليروا أن خطب الجمعة ليست مخصصة فقط للعبادات وإنما تتناول الشؤون العامة للمجتمع. على الدكتور الملقي وحكومته أن ينظروا ويفيدوا من تجارب دول إسلامية ليست ببعيدة عنا سوى بضع مئات من الكيلومترات ونحن هنا نشير إلى تركيا وتجربتها الفاشلة في العلمنة والعلمانية على مدار ثمانية عقود من الزمان لتعود إلى رشدها الآن وتفتح مساجدها وتغير تشريعاتها غير الإسلامية وتزيل معوقات تدين مواطنيها ....
على الحكومة الأردنية أن لا تلعب بعقائد الناس ومنابرهم ..على حكومتنا أن لا تحول مساجدنا إلى دوائر بيروقراطية وأئمتنا إلى أبواق تبث ما يقرر لهم من موضوعات منفصلة عن واقع الأمة ومشكلاتها..إن قررت الحكومة أن تستمر في تشديد قبضتها على خطباء الجمعة فيمكنها أن تبث خطبة موحدة على نفس موجة اﻻذاعة المخصصة لﻻذان الموحد وما على المصلين اﻻ القول آمين وتوفر بذلك نفقات وأجور الخطباء.... . يكفي الحكومة ما تسببت به من أوجاع للناس في مأكلهم ومشربهم وكهربائهم وخنق حرياتهم فالأردنيون طيبون يمكنهم نسيان ذلك كله ولكنهم بالتأكيد لا يهادنون ولا ينسون أبدا من يحاول أن يضيق عليهم ويحاصرهم في معتقداتهم ومساجدهم ومنابر رسولهم عليه أفضل الصلاة والتسليم...