في عالم متحرك ، هناك أحداث هامة ترد في الأخبار يحتاج بعضها للتحليل والتكييف ، ليس لفهم أبعادها ، بل لإدخال فهم معين لتلك الأحداث في أذهان الناس بما يخدم أجندة معينة ، فالمحلل السياسي الموضوعي أو المحايد لا وجود له.
يهم المواطن المتلقي أن يعرف ماذا حدث ولماذا. ليتمكن من فهمه وأخذ موقف إيجابي أو سلبي تجاهه.
كاتب التحليل السياسي لا يهتم بالحقيقة الموضوعية ، فمهمته توظيف الخبر لخدمة أغراضه الخاصة. إذا كان هناك خبر صحفي عن استعمال الغازات السامة في منطقة ما من سوريا ، فليس مهماً للمحلل ان يكون الخبر صحيحاً أو مختلقاً ، وأن يكون الفاعل هو الجيش النظامي أو العصابات الإرهابية. المهم وجود فرصة لخدمة أجندته ، فإن كان من أنصار ما يسمى المعارضة المسلحة فسوف ينطلق من فرضية أن الجيش السوري (يسميه جيش بشار) هو الفاعل ، وأن المستهدفين هم أبناء الشعب من المدنيين الأبرياء.
هنا يخلص المحلل إلى أن على أميركا دون غيرها من قوى العالم أن تتدخل فوراً وتضرب أهدافاً عسكرية سورية دون انتظار تحقيق دولي أو أخذ موافقة مجلس الأمن التي بدونها يكون العمل المقصود اعتداءً غير مشروع على دولة ذات سيادة.
يقودنا هذا إلى مقولة (الحاكم الذي يقتل شعبه) ، وهي صيغة جاهزة استعملت بكثافة ضد صدام في العراق ، والقذافي في ليبيا ، وبشار في سوريا ، تهمة سوف تستعمل ضد كل رئيس لا ترضى عن سلوكه أميركا وأنصارها.
نفهـم أن يحاول حاكم ما قتل المعارضة المسلحة التي تحاول قلب نظام الحكم بالقوة ، أو قتل الإرهابيين القتلة ، اما قتل المواطنين الأبرياء فهو اختصاص منظمات الإرهاب التي يخدمها هؤلاء المحللون وليس للحاكم المستبد مصلحة في قتل شعبه.
الإدعاء بأن الرئيس السوري قتل 400 ألف من شعبه يعني أن 80 منظمة إرهابية تعمل في سوريا لم تقتل أحداً ، ولم تجز رؤوساً ، ولا تريد غير الديمقراطية وحقوق الإنسان.
عمليات قتل الشعب الليبي على أسس عشائرية بدأت بعد رحيل القذافي ، وعمليات قتل الشعب العراقي على أسس مذهبية بدأت بعد رحيل صدام حسين.
التحليلات السياسية والشعارات المستندة إليها لا تدل على الحقيقة ولا تصف الواقع ، بل تكشف الجهة التي ينحاز إليها المحلل وتصف أجندته وأهدافه.
في العالم العربي حكام مستبدون ، ولكن البديل الجاهز ليس الديمقراطية والحريات العامة بل الإرهاب والصراع الديني والمذهبي. هذا ما حدث في العراق وليبيا وأرجو أن لا يحدث في سوريا أو أي بلد عربي آخر.
الرأي