لا يهمّني من يكون الفاعل..فالأطفال قد ماتوا..النظام السوري،روسيا، إيران، حزب الله، داعش، المعارضة، الصمت العربي لا يهمني.. فالأطفال قد ماتوا.. من الترف البحث عن فاعل في سماء مشغولة بغربان أتت من كل الدنيا لتنهش كبد الوطن الطري..وجلالة الموت وحده من يستعرض ضحايا الشرف المسجّين في المستشفيات المهدّمة..يحملون أرقاماً تسلسلية فوق الجبهات ، ولواصق طبية على الصدور، أوقفتْ النزف لكنها لم تمنع الروح من الصعود عالياً..
* * *
لا يهمني فتح تحقيق،أو إغلاق تحقيق ، لا يهمّني أن يتحدّث مندوب أمريكا الأنيق ،أو يعارض مندوب روسيا الحليق..فالأطفال قد ماتوا ..أصدقاء الفراشات ،شقائق نيسان ،الرموش الناعمة كزغب العصافير،أصوات الفرح المنثور، العيون الناعسة كفواصل في شطري شعر ، الأحلام السهلة قليلة التفاصيل..وجه سوريا الجميل ..زقزقات الحي...كلهم قد رحلوا..تركوا ملابسهم في خزائنهم ، وألعابهم قرب وسائدهم..وشهقات النفس الأخير على زنود حامليهم ورحلوا ...لا يهمني من القاتل ما دمت ألمس بيدي كل هذا الذهول...لا يهمني أن أعرف من القاتل..ما دمت أذرف الدمع كل لحظة على المقتول..لا يهمني أن أعرف نية الطيّار أو نوع الطائرة...فالزبد الراشح من فم الرضيع هو خيط الجريمة و هو حبر التقرير..
* * *
لا يهمني ماذا تقول ربطات العنق في مجلس الأمن،وفي خارجيات الدول اللاعبة،ودكاكين حقوق الإنسان..ما يهمني أن أعرف كيف ينام عبد الحميد اليوسف وقد فقد توأميه الجميلين «احمد وآية» بغاز السارين..كيف ينام وبيته المعتم بالفراغ خاوياً من أنفاس أحمد او برواز آية..كيف ينام وهاتفه النقال تحت وسادته تابوتاً من أرقام... كيف ينام و عشرات الصور في «استديو» الهاتف تخلّد لحظة ولادتهما ، أعياد ميلادهما ، فوق درّاجتيهما، في باحة الدار..كيف له أن ينام وقد حملهما على ذراعيه مكفّنين نائمين كقطعتي سكاكر ليطعمهما في فم الموت ..لا يهمني كل التحليلات والتوقعات والتصعيدات...فقد سقطت كل الدبلوماسية أمام عبارة الأب الجريح عندما قال: ( أولادي مش أول أطفال بيستشهدوا ..صحيح «حلوين كثير» ثم أجهش بالبكاء طويلاً.. الا ما ييجي يوم وننتصر)!.
* * *
لا يهمني ما تقوله وكالات الأنباء ويقوله البيت الأبيض..فالأطفال قد ماتوا ..لكنهم ماتوا بوفاء..ماتوا جميعاً يتقاسمون العري و الكمامة والغطاء وجرعة «الموت» والأرقام المكتوبة بين الحاجبين.. ماتوا و هم «حلوين كثير» !...
الرأي