قاعدة قانونية (Rule of Law ) في الإنجليزية : هي نظام مؤسسي Institutional تكون فيه السلطة العامة خاضعة للقانون ، فهي قائمة على مبدأ أساسي هو احترام قواعده ( سُننه) القانونية ( أو تفوق القانون ) حيث كل واحد خاضع لنفس القانون ، سواء أكان فرداً أم السلطة العامة .
إذن من الممكن لأي شخص بأن ينازع أعمال الدولة أو أي مسؤول سياسي إذا كانت غير قانونيه.
وفي بداية القرن العشرين كان الفقيه النمساوي ( هانس كلسنHANS KELSEN ) (1881-1973 ) قد عرّف دولة الحق كدولة تكون فيها القواعد القانونية متسلسلة بحيث أن سلطتها تكون محدودة.
فدولة الحق تتميز بأن القواعد الحقوقية فيها متسلسلة ، بحيث أن كل قاعدة تستمد مشروعيتها من توافقها مع القواعد الأعلى.
هناك فصل للسلطات مُنظم بالدستور وعلى وجه الخصوص استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية .
مساواة الجميع ، سواء أكانت أشخاصاً طبيعية أو معنوية أمام قواعد القانون ، مسؤولية الحكام تجاه أعمالهم أو قراراتهم .
فدولة الحق أولاً هي نموذجاً نظريا لتنظيم النهج السياسي والمعتبرة بأنها الخاصية الرئيسية للأنظمة الديمقراطية ، فهي تعارض الاستبداد أو النظام البوليسي حيث يسود التحكم بدون إمكانية لإقامة دعوى ، و بالعكس ، فدولة الحق ليست بالضرورة نظاماً ديمقراطياً . ونقابل أيضاً بشكل معتاد مفهوم دولة الحق بالمصلحة العليا أو مصلحة الدولة .
التفاصيل
1_ احترام تسلسل القواعد ( السنن )
إن وجود تسلساً للقواعد ( السنن) القانونية يُشكل إحدى أهم ضمانات دولة الحق ، وضمن هذا الإطار ، صلاحيات مختلف الأجهزة في الدولة يجب تعريفها بدقة ،والقواعد التي يصدرونها لا تكون صحيحة إلا إذا احترمت القواعد الأعلى منها .
وفي قمة هذ المجموع الهرمي يبرز الدستور يتبعه الالتزامات الدولية و القانون ثم الأنظمة .
وفي قاعدة هذا التسلسل الهرمي تظهر القرارات الإدارية أو الاتفاقات بين أشخاص القانون الخاص ، وهذه اللائحة القانونية تفرض على مجموع الأشخاص القانونية .
والدولة ليست أكثر من أحد الخاصة ، فهي لا تستطيع التنكر لمبدأ المشروعية ، كل سُنه أو قاعد قانونية أو قرار لا يحترم مبدأ أعلى يكون مُستحقاً لجلب العقوبة القانونية .
و الدولة التي لها الصلاحية بإصدار القانون تكون هي نفسها خاضعة للقواعد القانونية التي وظيفتها التنظيم أو الضبط وتكون هكذا قد تأكدت وأصبحت مشروعة ،ورقابة الدستورية تعني التحقق بأن قانوناً متوافقاً مع الدستور ( نص أعلى من القانون في تسلسل القواعد القانونية ) في حين أن رقابة الاتفاقية (Conventionnalite) تتضمن رقابة مشروعيه سُنّه داخليه مع اتفاق دولي .
2_ المساواة أمام القانون
إن مساواة الرعايا أمام القانون ، تُشكل الشرط الثاني لدولة الحق ، حيث أنها في الحقيقة تتضمن بأن كل فرد أو هيئه بإمكانهم أن يحتجوا على تطبيق أي قاعدة قانونية ، عندما يكون التطبيق غير متوافقاً مع قاعدة عليا ، و الأفراد والهيئات بالنتيجة يتلقون صفة الشخص الحقوقي ، جزئياً أشخاصاً طبيعية في الحالة الأولى وأشخاصاً معنوية في الحالة الثانية .
والدولة تعتبر نفسها شخصاً معنوياً وقراراتها هكذا خاضعة لاحترام مبدأ المشروعية على نسق الأشخاص القانونيين الآخرين ، وهذا المبدأ يسمح بإحاطة عمل السلطة العامة واخضاعه لمبدأ المشروعية ، والذي يفترض بالدرجة الأولى احترام المبادئ الدستورية .
وضمن هذا الإطار فإن الإكراه الواقع على عاتق الدولة هو قوي جداً . فالأنظمة التي تصدرها والقرارات التي تتخذها يجب أن تحترم مجموعها القواعد ( السُنن ) القانونية الأعلى والتي هي موضوع العمل بها ( القوانين ، الاتفاقات الدولية والقواعد الدستورية ) ،وبدون أن تستطيع أن تستفيد من أي امتياز قضائي ، ولا من نظام تفضيلي من القانون العام .
و الأشخاص الطبيعية والمعنوية في القانون الخاص باستطاعتهم بناءً عليه أن يحتجوا على القرارات الصادرة على السلطة العامة بمواجهتها بالسنن ( القواعد ) التي وضعتها هي نفسها ، وضمن هذا الإطار فإن دور القضاء أساسي واستقلاله هو ضرورة لا يمكن الاحتجاج عليها .
3_ استقلال العدالة
لكي يكون هناك مدى عملي ، فإن مبدأ دولة الحق يفترض وجود قضاء مستقل ، وله الصلاحية للفصل في النزاعات بين مختلف الأشخاص الحقوقية بتطبيقه تارةً مبدأ المشروعية ، الذي ينتج من تسلسل القواعد القانونية ،وتارةً مبدأ المساوة الذي يعارض كل معاملة تمييز به بين الأشخاص الحقوقية .
وهذا النموذج من القضاء يتضمن وجوداً للسلطات وعدالة مستقلة . في الحقيقة أن العدالة تُشكّل جزءاً من الدولة ، فقط استقلالها تجاه السلطات التشريعية والتنفيذية قادر على أن يضمن حياديتها في تطبيق القواعد القانونية .
ومع ذلك ،والقضاء يجب أن يكون باستطاعته مقابلة مختلف السنن ( القواعد القانونية مع بعضها ، كي يحكم بمشروعيتها ، بما فيها إذا كان المقصود قواعد لها درجة عليا في التسلسل . والقانون أو الاتفاق الدولي المُخالف للدستور يتوجب استبعاده من قبل القاضي واعتباره غير سارٍ ، فدولة الحق تفترض إذن وجود رقابة دستورية .
وبالنظر إلى الصفة المعقّدة لمثل هذه الدعوى كان ( هانس كلسن) قد اقترح توكيلها إلى قضاء وحيد مُتخصص له صفة المحكمة الدستورية .
ودولة الحق هي قبل كل شيء نموذج نظري ، لكن أيضاً قد أصبحت مجالاً سياسياً لما كانت قد أصبحت اليوم تُعتبر كصفة رئيسية للأنظمة الديمقراطية ، وباعتبار أن القانون الأداة المفضلة للتنظيم السياسي والاجتماعي ، فهو يخضع مبدأ الشرعية إلى المشروعية ،وهكذا فهي تُبرز الدور المتزايد للقضاء في البلاد التي تسعى لهذا النموذج .
4_ دولة الحق ، وفصل السلطات والديمقراطية
أ) دولة الحق وفصل السلطات
دولة الحق هي تلك التي فيها المسؤولين السياسيين _ في الديمقراطية : المُنتخبين _ ملزمين بالقانون الذي أصدروه . إن نظرية فصل السلطات التي أتى بها مونتسكيو والتي عليها تقوم غالبية الدول الغربية المعاصرة ، تُؤكد تمييز السلطات الثلاثة ( التنفيذية ، والتشريعية والقضائية) وتحديدها المُتبادل . فمثلاً ، في الديمقراطية البرلمانية المشرع ( البرلمان ) ، يُحدّد السلطة التنفيذية ( الحكومة ) فهذه إذن ليست حرّه لتعمل على هواها ويجب باستمرار أن تضمن دعم البرلمان لها الذي هو تعبير عن الإرادة الشعبية . وعلى نفس الشكل القضائية تسمح لإقامة التوازنات لبعض القرارات الحكومية ( وعلى وجه الخصوص ، في كندا مع السلطة التي يمنحها الميثاق الكندي للحقوق والحريات للقضاة ) فدولة الحق تُعارض إذن الملكيات المُطلقة ذوات الحق الإلهي والديكتاتوريات والتي فيها تعمل السلطة في الغالب على حساب الحقوق الأساسية .
ودولة الحق لا تتطلب أن يكون جميع القانون مكتوباً ، فدستور بريطانيا العظمى مثلاً قائم فقط على العرف ، فليس فيه نصوصاً مكتوبه ، ففي مثل هذا النظام القانوني ، فإن المسؤولين السياسيين يتوجب عليهم احترام القانون العرفي كنفس الاعتبار للحقوق الأساسية كما في نظام القانون المكتوب .
ب_ دولة الحق و الديمقراطية
لقد أصبحت دولة الحق موضوعاً أساسياً ، ذلك لأنها قد أصبحت اليوم معتبره الصفة الرئيسية للأنظمة الديمقراطية . ومع ذلك فإن درجة احترام الدولة للقانون ليس بالضرورة مرتبطاً بدرجة الديمقراطية في النظام .
فرنسا كانت قد دعمت دولة الحق بالانتقال من النظام القديم إلى الإمبراطورية .
ففي كتابة روح القوانين (Esprit des Lois) كان مونتيسكيو قد ميّز بحق الملكية الاستبدادية في كون الملوك يحترمون قانوناً موجوداً في السابق وهو شكل لدستور عرفي والذي يُقيّد حريّتهم في العمل ، وبهذا المعنى فإن الملكية هي دولة حق أكثر منها استبداديه .
الصين الحديثة تًحسّن تدريجياً دولة الحق فيها ، باستقلال عن كل تطور نحو الديمقراطية، وحسب ( ألن دي بنوا ) (Alain de Benois) عندما يصبح إعلان حقوق الإنسان له قيمه دستورية ، فإن أي قرار يُتخّذ ديمقراطياً ويناقض " حقوق الإنسان" فهو قابلاً لأن يُعتبر باطلاً ولاغٍ ، فدولة الحق لها إذن كنتيجة تحديد ممارسة الديمقراطية و السيادة الشعبية
2_ دولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق
أساسيات دولة الحق تعني بأن السلطات العامة يتوب عليها أن تمارس وظائفها حسب معالم محددة بموجب سُنن ( قواعد) قانونيه . وهكذا تؤسس المشروعية الإدارية أو القاعدة القانونية أو تفوق القانون ، وهي اصطلاحات أساساً متساوية . ودولة الحق يُمكن تلخيصها أيضاً بالصيغة (لا شيء هناك فوق القانون) ، وأكثر عموميه ، هذا النظام يضم مجموع القواعد القانونية التي تحمي المواطنين من كل الأشكال التحكمية للسلطة ( التنفيذية ) . ولكي يكون هناك وجوداً لدولة حق ، يتوجب أن تكون الالتزامات التي تصدر عن الدول ( رسميه ، غير شخصيه ، حتميه ، ومُعاقب عليها :
Officielles
وبعبارة أخرى يتوجب أن تكون القوانين :-
1_ معروفة بشكلٍ عام commes publiques
2_ بحيث لا يستطيع أن يتهرب منها أي شخص .
3_ ويتوجب أن تُطبّق حقيقة .
4 _ وخرق القانون يتوجب أن يجلب العقوبات .
ودولة الحق تفترض سُنن قانونيه هي نفسها مُتسلسله بشكل صريح . فقرار للضابطة الإدارية هو أدنى درجه من القانون . فالنظام التسلسلي للسنن ( القواعد ) القانونية يضع في القمه دستور البلاد ثم الاتفاقات الدولية الموقعة من قبل الدولة ثم القوانين وأخيراً الأنظمة .
وجميع القرارات الإدارية المتخذة يومياً من قبل أجهزة الإدارة العامة تأتي على المستوى الأخير لهذا النظام ، وسلطة الموظف هي إذن ليست مطلقة ذلك لأنها محاطه بهذا التسلسل ، فالموظف أمام سوء الاستعمال المفترض أو الحقيقي بإمكانه أن يذكر القواعد القانونية الأعلى كي يطالب بالتصحيح أو التعويض . وبعد فحص مضمون الدعوى تصدر المحاكم حكماً يُشير إلى تسلسل القواعد القانونية .
والدولة المؤسسة على دولة الحق تعارض هكذا الدولة التسلطية التي فيها التحكم من جانب الدكتاتور أو طاغيه يحكم . كما تعارض أيضاً دولة غوغائية أو فوضوية التي فيها لا وجود للقانونين أو لا تحترم أو تطبق أو تجري ملاحظاتها .
وفي أيامنا هذه تفترض دولة الحق الوجود الفعّال ( وحتى الحد الأدنى) من الحريات الفردية والجماعية ( حرية الاعتقاد لجمعيات المعتقد ) واستقلال السلطة القضائية تجاه السلطات السياسية .
وتفترض أيضاً قوانين معروفه ومُطبقة من قبل القوه العامة ( الضابطة والمحاكم على وجه الخصوص) وكذلك على الوجه الصحيح من قبلها .
و الميثاق الأعظم ( الماقنا كارتا (Magna Carta) الصادر عام (1215) كان قد وضع حدوداً على التحكم الملكي . بخصوص عدة مواضيع مثل حريه التفضل ، الميراث ، الضرائب ، الحرية، عدم الزواج لأرمله ! .
وفي عام 1956 قال ونستون تشرشل مع ذلك بخصوص ( الماقنا كارتا ) ((هو ذا قانون فوق الملك وحتى أن الملك يتوجب عليه أن لا يخرج عليه . واعادة التأكيد هذه على قانون أعلى و التعبير عنه في ميثاق عام هو القيمة الكبرى للميثاق الأعظم (( المافنا كارتا) وذلك بنفسه يبرر الاحترام الي منحه له الشعب )) وفيما بعد كانت ( الهابياكورييه ) الصادرة عام 1679 قد اعتبرت دولة الحق إلى جانب المتهمين .
والثورة الفرنسية قد ساهمت أيضاً بتعريف نفس القيد على السلطات التنفيذية ، ونص عام 1791 يؤكد هكذا (( ليس هناك في فرنسا سلطه فوق القانون)) .
وبالجملة فدولة الحق ليست بالضرورة ديمقراطية لكن كل دولة ديمقراطية هي دولة حق .
وهكذا فإن دولة الحق تبدو كمرحلة أوليه في تشكيل الدولة الديمقراطية .وقد كان الفيلسوف (كلود ليفور Claude Lefort) قد كتب (( دولة الحق كانت دائماً تتضمن إمكانيه الاعتراض على السلطة والمؤسس على القانون _ اعتراضاً كان قد أشهره التنبيه للملوك ورفض الخضوع للضريبة في ظروف غير عاديه ، وحتى اللجوء إلى العصيان ضد الحكومة غير الشرعية . لكن الدولة الديمقراطية تتجاوز الحدود التقليدية المعينة لدولة الحق فهي تقدم البرهان على الحقوق التي لم تتجسّد بعد فيها.
فهي مسرح للاحتجاج الذي غرضه لا يمكن انقاصه لملاحظة ميثاقاً وُضع ضمنيّاً ، لكن قد تُشكل من خلال بؤر لم تستطع السلطة السيطرة عليها كليه .