تتواصل الجهود الملكية في الساحة الدولية دفاعا وانتصارا وتشخيصا عميقا ودقيقا لقضايا المنطقة وملفاتها ، ووضعها في دائرة اهتمامات واولويات فواعل النظام الدولي ، إذ تكاد لا تلوح بالافق فرصة ذات طابع دولي امام جلالة الملك عبد الله الثاني ، الا واغتنمها في تسليط الضوء على هذه القضايا وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية ، تماهيا مع دور جلالته المحوري في التعاطي مع كل ما من شأنه تحقيق الامن والاستقرار في الاقليم والعالم . وبدا ان التقدير الكبير الذي يحظى به جلالته من قبل الاسرة الدولية جعل منه شخصية مرحب بها لدى كافة الأطراف العالمية ، بوصفه حكيم المنطقة ومرجعيتها التي يعتد بها في تشخيص المشهد الإقليمي ، ما جعل المتابع يشعر انه امام موسوعة فكرية ومعلوماتية استراتيجية لا يملك الا ان يقف احتراما واعجابا وتقديرا لها . الامر الذي عكس التأثير الملكي في السياسة الأميركية خلال اللقاء الأول الذي جمع جلالة الملك شباط الماضي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان مدفوعا بحماس كبير وقتها نحو تنفيذ وعوده التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية ، وتحديدا تلك المتعلقة بملفات المنطقة ، وفي مقدمة ذلك الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بوصفه جوهر الصراع في الشرق الاوسط .
ولولا تدخل جلالة الملك وفي اللحظة المناسبة ، فلربما وجدت هذه الوعود التي لم تكن اصلا في صالح الجانب العربي والفلسطيني طريقها الى التنفيذ ، خاصة بعد ان استهل الرئيس ترامب عهده بما يشير الى انه ماضي بهذا الاتجاه . حيث تمكن جلالة الملك من ان يضع ترامب بصورة المخاطر والتداعيات السلبية التي قد تترتب على اتخاذ هذه الخطوة الحساسة والخطيرة التي ستقود الى تأجيج التطرف والصراع في المنطقة ، وبما يتعارض مع الأولوية التي وضعها الرئيس الأميركي الجديد على اجندته ، ممثلة بمحاربة الإرهاب والتطرف . وبذلك يكون جلالة الملك قد اخرج ترامب من المأزق الذي كان عليه مواجهته فيما لو مضى في هذا المسار الحساس ، وبصورة ستزيد من الضغوطات والصعوبات التي ستجعله يخسر المزيد من شعبيته ، التي بدأ يفتقدها بشكل لافت ، وهو ما يزال في بدايات عهده على خلفية خلافاته مع الأجهزة الإعلامية والأمنية والاستخباراتية والقضائية ،الى جانب قيامه باتخاذ امر تنفيذي يحظر على مواطني بعض دول منطقة الشرق الأوسط ذات الأغلبية المسلمة دخول الولايات المتحدة .
ان الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها الرئيس ترامب جلالة الملك في اللقاء الثاني الذي جمعهما الأسبوع الماضي ، انما تعكس تقديره وادراكه لأهمية الأفكار والنصائح الملكية في تلاشي الدخول في دائرة الحرج والتأزيم عند التعاطي مع القضايا الحساسة ، ما يعزز من نظرة الإدارات الأميركية والإدارة الحالية تحديدا الى جلالة الملك كشريك مهم في رسم السياسة الأميركية في المنطقة . دون ان تغفل هذه الادارة اعجابها بالدور الكبير الذي لعبه جلال الملك ونجاحه في عقد القمة العربية الثامنة والعشرين في الأردن بحضور غير مسبوق على مستوى القادة العرب رغم الأجواء المشحونة بالخلافات والتباين في المواقف السياسية بينهم ، ما يعكس المكانة الرفيعة التي يحظى بها جلالة الملك بين اشقائه من القادة العرب ، وعلاقات الأردن التاريخية والاخوية المتميزة والمتجذرة مع الأقطار العربية الشقيقة بصورة جعلت من الأردن محطة توافقية مرحب بها لعقد هذه القمة غير المسبوقة بحضورها واجنداتها ومخرجاتها . الامر الذي على إدارة الرئيس ترامب الجديدة اخذه باعتبارها لجهة التعاطي المسؤول والمدروس مع مخرجات هذه القمة التي تعكس الرؤى والمواقف العربية حيال القضايا والملفات التي تحظى بالاولوية على اجندات الزعامات العربية ، كالقضية الفلسطينية التي تم التأكيد على اولويتها ومركزيتها وضرورة حلها استنادا الى حل الدولتين على أساس معاهدة السلام العربية والمرجعيات الدولية ذات العلاقة ، وقضية محاربة الإرهاب والتطرف وفقا لاستراتيجية دولية شاملة ، الى جانب الازمات العربية السورية واليمنية والليبية ( والأوضاع في العراق ) والتعاطي معها من خلال عمليات سياسية تضمن مشاركة كافة شعوبها . ما يؤشر الى ان اللقاءات الملكية مع الإدارات الأميركية وغيرها ، دائما ما تصب في خدمة القضايا العربية والإقليمية والعالمية ، وتعزيز الامن والاستقرار والسلام في العالم .