هل انتهى زمن "القيلولة" عربياً؟
يوسف عبدالله محمود
08-04-2017 11:53 AM
يروي سمو الأمير الحسن بن طلال هذه الحكاية الدالة يقول: "كُلفتُ من جانب اخي الراحل الملك الحسين –رحمه الله- في التجوال على رؤساء الدول، فقال لي احدهم: الآن وقت القيلولة. فقلت له: إن الدولة العربية بمفهوم عبد الرحمن بن خلدون انتهت في القرن الثامن بعد قرون من القيلولة هلاّ بحثنا عن الافادة من نصف ساعة". (مجلة "المنتدى"، العدد 254، 2012م).
ويضيف سموه قائلاً: "ان الارادة العربية ما تزال في قيلولة". عصر "القيلولة" ينبغي ان ينتهي! الشعوب العربية تتطلع من قادتها ان يفعلوا شيئاً يذكره لهم التاريخ. هذا الشيء هو أولاً ان يوفروا لها العيش الكريم. لقمة العيش اولاً لشعوبهم الفقيرة! نحن بحاجة الى إرادة عمل حقيقية ترفع عن شعوبنا قرون الاذلال والخضوع للآخرين. تحرر هذه الشعوب من "الامية الثقافية".
ذات مرة تساءل المفكر الراحل جورج طرابيشي وهو يتحدث عن مقاربة الديمقراطية عربياً. "كيف يمكن في العالم العربي طرح شعار الديمقراطية ونحن لدينا هذه الكتل الهائلة من الأميين؟". (حوار مع جورج طرابيشي، مؤسسة شومان، حوار الشهر "14"، 1998).
زمن "القيلولة" لم ينته بعد عربياً، الصراعات العربية على أشدها، باتت "دموية" هذه الصراعات تحصد الأخضر واليابس. في ظل هذا الوضع المأساوي غابت "القضية الفلسطينية". غاب ما يجب ان يكون هو "المفكَّر" –بفتح الكاف- عربياً فيه!.
"الصدق مع الذات" ما أقل الذين يمارسونه عربياً هذه الأيام من قادة ومسؤولين. لو كان هذا الصدق مع الذات حقيقياً لما كنا في هذه الحالة المؤلمة والمربكة. بالطبع استثني الصادقين الذين تُؤرقهم هذه الحالة العربية المأساوية.
مع الأسف ما زالت "الديمقراطية" مجرد ديكور في كثير من مجتمعاتنا العربية. يتم تسويقها عربياً على نحو غير حقيقي. بعضنا يخشاها لأنها مستورد غربي! وبعضنا يحيلها الى نوع من "التسامح" فحسب على حد قول الراحل مؤنس الرزاز، بمعنى انها "تسامح" من الانظمة لا ديمقراطية!
أحزابنا السياسية العربية أحزاب "حدِّية" نافية للآخر. كل حزب يعتبر نفسه الممثل للخير وحده والباقي ممثل للشر!. أحزابنا العربية أحزاب بلا برامج تقدمها للجماهير وبعضها يتقنّع ب"الدين"، لا يحسن قراءته فيكفر من يشاء ويسبغ رضاه على من يشاء! حتى الانتخابات النيابية في اقطارنا العربية تتحكم فيها شئنا ام أبينا العصبية الطائفية او العشائرية او الجهوية. حتى المثقفون العرب- ولا اقول كلهم –حين يرشحون انفسهم للانتخابات يلوذون بِ"الطائفة" او القبيلة او العشيرة، لا يعيرون أدبيات "الثقافة" اي اهتمام!.
متى ننتهي من هذه الحالة؟
ننتهي حين تمارس المؤسسات المدنية دورها الحضاري على اتم وجه، تنتهي حين نحارب "الأمية الثقافية" في عالمنا العربي. تنتهي حين نباشر بتحضير "التعليم" فلا تظل مناهجه متخلفة عن ايقاع العصر! تحضير "التعليم" ورفع سويته وترشيده هو القادر على تنوير العقول فلا تظل معادية "للحداثة" بحجة انها معادية للدين!
آن الأوان لنقد الذات، "الفهلوة" التي يمارسها بعض قادة الاحزاب باتت غير مجدية. انها عقبة في وجه الحداثة. الأحزاب في العالم المتحضر تمتلك هامشاً من الحرية اكثر مما تمتلكه احزابنا. احزاب هذا العالم تخترق الطائفية. تخترق الاثنيات!.
نحن كعرب بحاجة الى خلق "المواطن المعياري" –على حد قول الراحل د. طرابيشي- مثل هذا "المواطن" لا تخلقه الطائفية او المذهبية او العشائرية. تشرُّبه "حداثة العصر" بقيمها الحضارية هي القادرة على تنويره فلا يظل حبيس "التخلف" او "الانغلاق"! نحن بحاجة الى الخروج من حالة "الاستنقاع" التي نعيشها اليوم.
الوصاية على العقول التي يمارسها بعض الفقهاء والمشايخ ينبغي ان يتم رفعها. الفقهاء والمشايخ مجتهدون. اجتهادهم لا يعني انهم وحدهم قد احتكروا "الحقيقة"! وبالتالي فاجتهادهم غير ملزم!
دعونا لا نصادر "التنوير" ما دام ينقذ العقول من التسطح! دعونا لا نقحم تأويلاتنا الدينية في كل صغيرة وكبيرة تخص حياتنا المدنية! "الاجتهاد" مقبول بالاقناع والحجة لا ب"الحدّية"!
robroy0232@yahoo.com