ليس واردا، على الإطلاق، أن تستجيب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدعوة المعارضة السورية باستمرار الضربات الجوية على مواقع النظام السوري.
غارات فجر أمس لمطار الشعيرات العسكري هي مجرد رد فعل أميركي محدود على ما اعتبرته إدارة ترامب تجاوزا للخطوط الحمراء من قبل النظام السوري، أراد ترامب من خلالها القول إن إدارته، وعلى خلاف إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لن تقف مكتوفة الأيدي عندما يتم تجاوز الخطوط المرسومة.
لقد وجدت إدارة ترامب نفسها أمام اختبار شبيه بذلك الذي واجهته إدارة أوباما في ملف الأسلحة الكيماوية، وما كان لها أن تقبل بأن تكون في وضع المتردد والعاجز الذي بدت عليه إدارة أوباما في نظر حلفاء واشنطن، عندما تراجعت في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربات عقابية بحق نظام الأسد.
ترامب قدم نفسه للناخبين الأميركيين ولمنافسي أميركا في العالم باعتباره البديل القوي لإدارة ضعيفة ومترددة، وهو ما استوجب الرد السريع على حادثة خان شيخون.
وفي نظر الغالبية الجمهورية، ظهر ترامب كند قوي لقيادة بوتين التي تهيمن على مسرح الأحداث في سورية. تلك هي الرسالة الأهم من وراء رشقات صواريخ "توماهوك" المدمرة للمطار العسكري الذي تقول واشنطن إن طائرات النظام المحملة بالقذائف الكيماوية انطلقت منه لقصف خان شيخون في مدينة إدلب.
وبالرغم من ردود الفعل الغاضبة من جانب موسكو وتنديدها الشديد بالغارات، وقرارها الفوري بتجميد مذكرة الاتفاق مع واشنطن لتفادي حوادث الطيران في الأجواء السورية، إلا أن القنوات الدبلوماسية قادرة على احتواء التوتر في العلاقة بين الطرفين، وتجاوز التداعيات السلبية لهذا التصعيد في المستقبل.
واشنطن واضحة وصريحة إزاء الوضع القائم في سورية؛ إنها لا تملك خريطة سياسية لأي عمل عسكري منفرد ضد النظام. كل ما لديها لغاية اللحظة خطة عسكرية للقضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، دون أدنى تصور واضح للمرحلة التالية.
تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، بعد الغارات على "الشعيرات"، عادت لتؤكد على أهمية مسار جنيف للحل في سورية.
لكنّ هناك دون شك تغيرا جوهريا في نبرة الموقف الأميركي تجاه الرئيس السوري بشار الأسد بعد "خان شيخون". في الأيام القليلة التي تلت الهجوم بغاز "السارين" أطلق مسؤولون أميركيون أوصافا شديدة القسوة على الأسد، وتخلوا عن اللهجة الحذرة بشأن دوره في مستقبل سورية، لكن دون أن يبلغوا في كلامهم حد المطالبة بتنحيه الفوري أو نزع الشرعية عن حكمه بالكامل.
ومع ذلك، يمكن القول إن الأسد خسر ما بدا أنها فرصة لانعطافة عميقة في الموقف الأميركي تجاه نظامه، ظهرت بوادرها في تصريحات سابقة على لسان مسؤولين أميركيين اعتبروا أن رحيل الأسد لا يشكل أولوية بالنسبة لبلادهم.
وقد وضعت هذه التطورات بمجملها القيادة الروسية في موقف الدفاع عن النفس أمام واشنطن بعد أن كانت حتى وقت قريب في موقف هجومي متقدم على المستوى السياسي. من هنا يبدو السؤال مشروعا عمن كان وراء الهجوم البشع على خان شيخون.
الغد