الخادمات قنبلة موقوتة تنفجر في وجوه صغارنا
سارة طالب السهيل
07-04-2017 03:20 AM
فرضت حياتنا العصرية وخروج المرأة العمل الي الاستعانة بالخادمات في المنازل لدى الكثير من الأسر العربية لمساعدتها في الاهتمام بشؤون المنزل والبقاء مع الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس، ويحتاجون لرعاية خلال فترة غيابهنَّ في العمل .
وبرغم حاجة المجتمعات للمساعدات المنزلية كنمط من أنماط الحياة الاجتماعية موجود في كل المجتمعات الا انه في عالمنا العربي اخذ يتنامى بشكل مفرط الي حد الاعتماد الكامل على المساعِدات في رعاية الاسرة صغيرها وكبيرها، وما نتج عنه من مشكلات اجتماعية كبرى.
فمع مرور الوقت تكاسلت المرأة الأم عن القيام بدورها التربوي النفسي والاجتماعي السوي في رعاية صغارها، وأوكلت مهام رعايتهم للخادمات اللواتي يتم جلبهن من ثقافات لا تنتمي لثقافاتنا العربية والشرق أوسطيه ومن أديان ومعتقدات وملل متباينة.
وانا لست ضد اكتساب واجتذاب كل ما هو جيد وإيجابي من كل ثقافات العالم فلسنا سوى بشر من بين الملايين على هذا الكوكب الذي يحمل من هم مثلنا او أفضل منا؛ الا انني بصدد طرح سلبيات الموضوع كوّن التجارب والنتائج كانت اغلبها سلبيه ومع توسع هذه الظاهرة في العالم العربي، فان المشكلات الاجتماعية الناتجة عنها اخذت في التراكم مع مرور الوقت خاصة إذا كان الاعتماد عليهن بشكل كامل في تربية الصغار الذين يمكن وصفهم بالسفنجة تمتص كل ما تجده من سلبيات وايجابيات.
وبحكم انتماء هؤلاء الخادمات لبيئات وجنسيات وعادات مختلفة والكثير منها يخالف قيم وهوية الأسرة العربية، فان الأطفال الصغار سرعان ما تشرب هذه الثقافات، وتبلغ الازمة ذروتها عندما تصل الي حد ارتكاب الجرائم البشعة بحق الاطفال الابرياء، وما تنشره وسائل الاعلام من اخبار يومية عن تفاقم الأحداث والمشكلات والجرائم التي ترتكبها الخادمات أكبر برهان على ان الاطفال هم الضحايا الذين يدفعون ثمن تجاهل المؤسسة الاسرية في رعايتهم.
تأثيرات خطيرة
وتتعد أشكال التأثيرات السلبية لترك الصغار في أحضان الخادمات ومنها ما يظهر جليا في اللغة والسلوك اللذين يكتسبهما الأطفال حيث تتشتت أفكارهم وهويتهم بين لغة أباءهم ولغة الخادمة التي تشرف على تربيتهم، وما كان واضحا من تكسير الحروف ولفظ الكلمات بشكل غير صحيح فلا باس من تعلم لغات جديدة ولكن ليس بلكنات خاطئة وتعابير غير لائقة واستخدام العبارات الهابطة كما قد يتعرض الطفل لأشكال عديدة من سوء المعاملات القاسية للخادمة.
ويواجه الاطفال الصغار مأساة الإهمال العاطفي والمعنوي للأم وينمو منطويا على نفسه وتصاحبه مشكلات نفسية قد تؤدي إلى انحراف سلوكه وأخلاقه وتعرضه إلى أسوأ المشكلات، خاصة مع افتقادهم لمشاعر الحب والحنان الفطري من الأم والأب، ومع مرور الوقت تصبح الخادمة هي الأم البديلة التي يتعلمون منها المبادئ واللغة والأخلاق والسلوكيات التي في الغالب تكون متناقضة مع القيم العربية والشرق أوسطيه.
خطورة على المعتقد والثقافة
يلتصق الطفل بالخادمة التي تتولي رعايته وتلبي احتياجاته الاساسية ومن ثم فهو يتعلم منها لغتها، ولأن الطفل يحاكي ما يجده فانه يقلد سلوك الخادمة في اشكاله المختلفة
كما تمارس الخادمة بطبيعتها غزوا فكريا وثقافيا مناهضا للثقافة الاصيلة اذ تشرب الصغار ثقافتها في الوقت الذي ينشغل فيه الاب والام في أعمالهم عن تنشئة صغارهم بالثقافة المحلية، فتخرج أجيال بعيدة تماما عن المعطي الثقافي المتعارف عليه وحضارتنا واخلاقنا السامية. و هنا لا ادعي إننا اصحاب الحضارة المنفردة بل هناك حول العالم حضارات نفتخر بها و نحاول اكتساب منها العلوم و المعارف و المواثيق الإنسانية و جماليات اللغة و حسن المنطق و الأسلوب و الرقي كما فن الاتكيت و العمارة و الفنون
الا ان العاملات المساعدات في المنازل لا يعرفن الكثير من حضاراتهم و لم يتعلمن كل ما ذكرنا لانهم جاءوا من أوساط بسيطة فقيرة مظلومة لم تتح لهم الفرصة للغرف من حضارات الدنا و بالتالي لن يكن اضافة لأبنائنا بقدر ما هُن تشتيت لما تعلمه الطفل من بيئته و عالمه الذي حوله
غياب المسئولية
تبدو المرأة العربية العصرية، وكأنها قد تخلت عن دورها الأساسي كأم وزوجة في التربية والرعاية العائلية، بعد أن أولت هذه المسؤولية للخادمات والمربيات، وغياب دور الام الحقيقي داخل البيت يؤدي الي تهديد الحياة واختفاء الروابط بينها والنتيجة تنعكس سلبا علي الأطفال والأبناء سواء كانوا صغاراً في السن أو مراهقين خاصة عندما يتعرضون لمشاكل العنف والتحرشات والكثير من الحوادث التي ترتكب بحقهم بالإضافة الى التأثير الكبير على مستوى نطقهم الصحيح للغة العربية وضعفها.
وأكدت الدراسات أن وجود المربية والخادمة يؤثر سلبياً على النمو اللغوي حيث يكتسب الطفل من خلال المربيات مفردات لغوية ركيكة والتي تتضح في الكثير من المفردات أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال يعانون من عيوب في النطق في ظل وجود الخادمة في المنزل كالتأتأة أو الفأفأة أو التهتهة.
وكشفت الدراسات الحديثة ايضا عن العديد من المشكلات الاجتماعية التي يعاني الطفل نتيجة اهمال الأم واعتمادها علي الخادمة في تربيتهم، ومن بينها، اعوجاج سلوك الاطفال الاجتماعي بميلهم للانطواء والعزلة وبنسبة 14%، ونشأة الميول العدوانية لديهم وبنسبة 20%، واصابتهم بالخمول والكسل لديهم بنسبة 10%.
الخجل والعدوانية
وأكدت معظم الدراسات أن تأثير الخدم على الإناث من الأطفال يمتد من ضعف اللغة الي مشكلات نفسية واجتماعية خطيرة علي الطفلة بتحولها لطفلة خجولة قليلة الكلام، تميل للهدوء، وتنفر بشدة من الكبار خصوصا الغرباء. وهذه المشاعر تؤثر سلبيا على أسلوبها في المعاملة من حولهم من أصدقاء وزملاء وقد تصبح عدوانية.
وتذهب الدراسات المتخصصة في هذا الجانب الي ان الطفلة تتخذ من العدوان وسيلة لإفراغ شحنات الغضب الكامنة في نفسها، كما بينت دراسات أخرى أن الطفلة قد تصبح عدوانية مع إخوتها فقط، عصبية وعنيدة إذا أرادت شيئاً وصممت عليه ولا بد أن تحصل عليه.
وتبدو مشكلة الخادمات في الخليج العربي اكثر تفاقما وتأثيرا سلبيا علي الصغار، فالخادمات يتم جلبهن بعقود لمدة زمنية قد تأخذ عامين الي اربع عوام، بينما يتعلق الصغار بالخادمة بدءا من سن 3- 4 سنوات من عمر الطفل ومن ثم يكبر ويزداد تعلقه بها، في الوقت الذي ينتهي فيه عقد الخادمة وتعود لبلادها فتختفي فجأة من حياة الطفل فيصاب بصدمة تعقبها صدمة وجود خادمة جديدة ليصاب الطفل بالإحباط النفسي الذي يولد بدوره مشكلات نفسية عميقة لدي الطفل.
تبدو الازمة أكثر خطورة عندما تتنازل الأسرة عن بعض أدوارها التربوية والاجتماعية، وهنا يصبح دور الخادمة اكبر تأثيرا وأشد خطورة في تنشئة الصغار.
الاختيار
وأمام تنامي خطورة الخادمات على المجتمع مع اشتداد الحاجة اليهن، فان مبدأ "الوقاية خير من العلاج" يجب الاسراع بتطبيقه في الحرص علي اختيار الخادمة وفق مواصفات تتفق مع معطيات ثقافتنا ، بحيث يكن ممن يتمتعن بأخلاقية عالية ؛ وتأهليهن نفسيا واجتماعيا قبل ترك مسئولية المنزل إليهن و حبَّذا عدم ترك مسؤولية الصغار بين أيديهن.
فما هي المؤهلات التي حصلت عليها هذه المساعدة المنزلية لتعطيها مسؤولية تربية طفلك فهي جاءت لتعاون في اعمال المنزل من تنظيف و ترتيب فكيف تتحول الى مربية اجيال دون ان تكون مؤهله
دور الأم
ولعلي أدق ناقوس الخطر لكل أم بأن توقظ أمومتها من غفلتها الحالية وتسارع الي القيام بدورها في رعاية صغارها عاطفيا وتربويا واجتماعيا لان دور الخادمة لا يمكن أبدا ان يلغي او يعوض دور الام.
وعلى الام أن تكون اكثر حرصا في مراقبة سلوك الصغار وان تداوم على القيام بدور مهم في فلترة وتنقية ما يتشربه ويتلقاه الطفل من الخادمة في السلوك او اللغة.
ويبقي اغداق مشاعر العطف والحنان من جانب الابوين علي الصغار واحاطتهم بالرعاية ومنحهم بعض الوقت للاستماع اليهم والخروج معهم واشعارهم بالأمان النفسي من أهم وسائل العلاج النفسي والعاطفي للصغار في مواجهة خطورة وجود الخادمات في حياتنا الاجتماعية .