ترف حقوق الانسان في خان شيخون
سهاد طالباني
06-04-2017 04:10 PM
يتعرض المدافعون عن مبادئ حقوق الانسان الى الهجوم تارة والى السخرية تارة أخرى باعتبار ان ما يقومون به هو اما بضاعة اجنبية مستوردة او ترف لا تحتاجه مجتمعاتنا، ويتعرضون لحملات من التخوين او الاستهزاء او تسخيف ما يقومون به، وفي أحسن الأحوال يقال لهم أن الأولية يجب ان تكون لتحسين الظروف الاقتصادية والأمنية، وهذا النوع من رد الفعل السلبي تجاه المدافعين عن حقوق الانسان ليس بجديد، ودائما يجد من يمارسه مبررا مرتبطا بلحظة تاريخية او عنق زجاجة يجب ان نتجاوزه قبل الحديث عن حقوق الانسان بصيغتها الشمولية، ناهيك عن بعض التوجهات الفكرية التي لا تعترف أساسا بحقوق الانسان كفرد وترى أن حقوق الفرد يجب ان تذوب في مصلحة المجتمع، وهو التبرير الأخطر الذي استخدمه كل من برر للجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية في الكثير من مناطق هذا العالم.
اليوم ونحن في منطقة تشبعت بالدماء، علينا ان نتوقف ولو للحظة لنعترف بأن وضع حقوق الانسان في اخر سلم الأولويات أنتج لدينا ثقافة لا تقيم أي وزن للحياة البشرية، وتتعامل مع ضحايا الجرائم وفقا للونهم وعرقهم ودينهم وانتمائهم السياسي، ويكون الموقف من أي جريمة ضد الانسانية مبنيا على موقف الشخص من مرتكب الجريمة او من الضحية.
لذلك علينا ان لا نستغرب ان هناك من برر بل ودافع عن جريمة خان شيخون التي راح ضحيتها عشرات المدنيين الذين لا ذنب لهم الا انهم تواجدوا في هذه البقعة من العالم وفي هذا التوقيت، بل وهناك من يتجاوز حد التبرير الى مرحلة الهجوم على الضحايا في سياق دفاعه عن هذا الطرف او ذاك من أطراف الصراع، فأي درك أسفل نعيش فيه؟
الاستهانة بأبسط حقوق الانسان اوصلتنا الى ما نحن فيه، فعندما ننكر على الفرد حقه في التعبير وحقه في التنظيم وحقه في مسكن لائق وحقه في التعليم وحقه في الديمقراطية وحقه في تقرير المصير ونربط هذه الحقوق بمصالحنا السياسية ورؤانا الأيدلوجية، فأننا تلقائيا سنصل الى مرحلة ننكر حقه في الحياة ونربط هذا الحق أيضا بمعاييرنا الخاصة ومصالحنا.
لو كانت حقوق الانسان هي البوصلة التي ترشدنا، لما رأينا أنظمة تسوق شعوبها كما يسوق الراعي خرافه، لوما رأينا انهار الدم التي تسيل في منطقتنا، ولما رأينا ملايين المهجرين والنازحين وللاجئين، ولما شهدنا كل هذه الصراعات والقتل والدمار، ولما رأينا من يتجرد من انسانيته مهللا لهذا النظام او ذاك التنظيم بحجة مصلحة الشعوب أو المصلحة الوطنية العليا او بحجة الوقوف في وجه المؤامرات الخارجية والداخلية.
بلغت اعداد الضحايا في منطقتنا ملايين البشر ممن فقدوا حياتهم في النزاعات على السلطة او في حملات التطهير العرقي أو في الصراعات الدينية والطائفية والحروب، وتتضاعف الأرقام اذا اردنا الحديث عن ضحايا التعذيب والاعتقال العشوائي والتهجير والاغتصاب وغير ذلك الكثير، نحن هنا نتحدث عن ملايين البشر ممن شاء حظهم السيئ ان يكونوا جزءا من شعوب هذه المنطقة، ثم يأتي احدهم ليقول لك بأن الحديث عن حقوق الانسان في ظل الظروف الراهنة هو ترف، والمصيبة ان هذه الظروف الراهنة لا تزال راهنة منذ عقود، وفي المحصلة يتحول البشر الى ارقام تضاف الى ارقام أخرى في نشرات الاخبار والتقارير والمقالات، ومنهم مقالتي هذه، فلا تستغربوا ان يقول احدهم ان الحديث عن حقوق من تم قتلهم في خان شيخون ما هو الا ترف لا داعي له او مؤامرة اجنبية جديدة.