مالية النواب تستسلم مبكراً!
بسام حدادين
20-11-2008 02:27 PM
لم تنجح اللجنة المالية في مجلس النواب في اقناع الحكومة -وزير المالية- بوجهة نظرها بشأن الزيادة المرتقبة على رواتب الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكرين, واجراءات اخرى تتطلب نفقات مالية اضافية اقترحت اللجنة أن يصدر فيها ملحق للموازنة.
ولم تأخذ اللجنة من ممثل الحكومة - وزير المالية- سوى وعد بدراسة مطالبها. ومررت اللجنة الموازنة كما جاء من الحكومة، بعد ان سلمت امرها لله.
المطالب النيابية كانت عادلة تماماً، وليس فيها ادنى مبالغة بل على العكس تماماً، فيها مراعاة ومسؤولية عالية للوضع المالي وضغوط الموازنة. وتتلخص مطالب اللجنة باحتساب نسبة الـ7% المقترحة من الحكومة كزيادة على الراتب الأساسي، بأن تكون هذه الزيادة على الراتب الاساسي+ غلاء المعيشة+ العلاوة الفنية "علاوة المهنة". وهذا من شأنه مضاعفة معدل الزيادة الحكومية المقترحة ثلاث مرات "7:21".
بالإضافة إلى مطالب دعم أخرى منها زيادة حصة دعم الاعلاف من "10" كغم الى "15" كغم شهريا للرأس, واستمرار دعم الكاز والغاز وعدم رفع اسعار الكهرباء.
نقل عن وزير المالية, انه يتخوف من المستقبل, ومن احتمالية انخفاض الايرادات الضريبية والجمركية، بسبب الانكماش المتوقع في قطاعات اقتصادية اساسية بفعل الازمة المالية العالمية، وخشية الوزير من انخفاض حجم المنح والمعونات الخارجية من الدول العربية والصديقة، بسبب الازمة المالية العالمية وتداعياتها وتعرض صناديق الاستثمار الخليجية لخسارات فادحة مع استمرار انخفاض اسعار النفط.
كما يخشى الوزير من ازدياد الضغط على صناديق التقاعد, بسبب ان الزيادة ستكون على الراتب الاساسي. ويضيف الوزير حجة اخرى في سجلاته مع اللجنة المالية, مفادها ان الحكومة قدمت زيادة مقدارها "50" دينارا في العام الماضي وأن اسعار النفط في انخفاض.
لا أظن أنّ عاقلاً, يختلف مع كلام معالي الوزير فهو ينطق بالعلم والدراية، لكن الذي يغيب عن ذهن معالي الوزير ولا يستحضره، وهو يشخِّص الحالة الاقتصادية والمالية للأردن والمنطقة والعالم، أن الرواتب والأجور كانت متآكلة أصلاً قبل رفع الدعم عن المشتقات النفطية وزيادة الـ"50" دينارا في العام الماضي، لم تسد حجم التآكل الذي تعرضت له الرواتب والأجور بفعل التضخم طيلة الخمس عشرة سنة الماضية، والتي لم يحصل خلالها الموظف المتقاعد المدني والعسكري، سوى على عدد محدود من الدنانير.
ويغيب عن ذهنه، أيضاً، أن الرواتب مع الزيادات المطالب فيها سوف تنوء تحت وطأة غلاء كلف المعيشة، ولا تؤمّن الاحتياجات الضرورية للأسرة.
فالنقاش يجب الاّ يكون نظريا مجردا، فلعبة الأرقام وحساباتها في الغرف المغلقة، ستحسم دائماً لغير صالح المواطن, لأنها لا تأخذ بنظر الاعتبار البعد الاجتماعي.
اللجنة المالية في مجلس النواب كانت "عجولة" في عملها وفي إدارة "معركتها" مع وزير المالية، ورفعت الراية البيضاء مبكراً. وسبب تعثرها الأول والأساسي أنّها خاضت "المعركة" منفردة ومن دون دعم وإسناد من الكتل النيابية في المجلس، بما فيها كتلة التيار الوطني "كتلة الاغلبية".
فجميع الكتل لم تناقش الموازنة ولم تسلح ممثليها في اللجنة المالية بمطالب واقتراحات محددة، ولم تعلن مواقف تتفاوض مع الحكومة على اساسها. ولم يفعل المستقلون ايضا ما يخدم الجبهة النيابية.
وأحسب أنّ جل ما عمله رئيس اللجنة المالية، الذي لم يعرف عنه معارضة التوجهات الرسمية مع تقديرنا لحسن نواياه ومقاصده، هو التشاور مع رئيس كتلته النيابية. ولولا حشرية الصحافيين ومهنيتهم, لما انكشف طابق المفاوضات الحكومية- النيابية لأن رئيس اللجنة ومقررها، التزما الصمت ولم يقولا لزملائهم النواب، قبل المواطنين والرأي العام، ما هي مطالبهم بدقة وما هو موقف الحكومة منها.
وكان على مجلس النواب أن يرفع مستوى الحوار مع الحكومة ويتم محاورة الرئيس مباشرة وأخذ التزامات محددة منه. بدل ان يرفع مجلس النواب الراية ويذهب إلى القبة خالي الوفاض.
مجلس النواب دخل المفاوضات متجرداً من كل أسلحته، فلا الضغط البرلماني أُشهر، ولا الكتل تحركت ولا الرأي العام استخدم. وتركت الأمور إلى كرم الحكومة والرهان غير المعلن على شخص رئيسها المهندس نادر الذهبي, الذي يستشعر النواب, انه ينحاز دوماً لهم وان قراراته تلحظ دائما البعد الاجتماعي وتعطيه الاولوية.
لا أحد يريد ان "يحشر" احداً. فالأمر يتعلق بالأولويات. النواب ينحازون للبعد الاجتماعي ويريدون أن تترتب اولويات النفقات بما يعطى اولوية لرفع مستوى معيشة المواطنين ومواجهة ارتفاع كلف المعيشة، ولا اظن ان الحكومة ستتجاهل هذا المطلب العادل.
بنتيجة حالة "اللاسلم واللاحرب"، التي توصلت اليها اللجنة المالية مع وزير الحكومة، تكون الحكومة فازت في جولة المفاوضات الأولى. فقد مرت الموازنة من عنق زجاجة اللجنة المالية التي يمتلك "6" من اعضائها حق التنسيب لمجلس النواب بردها، وحينها ستكون الحكومة في وضع حرج جداً، بسبب خلافها مع اللجنة البرلمانية المختصة، وسيكون اصعب على النواب في الجلسة العامة "تحت القبة" معارضة قرار لجنتهم.
مهمة الحكومة بعد اليوم أصبحت أسهل، ولا أقول سهلة، لأنّها تعرف أن الجسم النيابي رخو يسهل تشكيله. ولكن ما يزال أمام النواب إن أرادوا، فرصة المناورة في المحطة النهائية، التي ستشهد حتماً حوارات بين الكتل والمستقلين مع رئيس الحكومة.
فعلى النواب أن يقولوا لنا ماذا يريدون وماذا لا يريدون ايضا. أما الخطابات النيابية التي يتثاقل منها المجتمع وتُقّدم صورة مهلهلة عن المجلس وعن نضج التجربة البرلمانية، فهي لا تقدم ولا تؤخر.
bassam.haddadin@alghad