أشباح الصهيونية ومستقبل السلام
سامح المحاريق
06-04-2017 01:27 AM
هل يمكن أن تعتبر الحركة الصهيونية بالفعل عملاً تنظيمياً أسفر عن تحقيق مصلحة اليهود؟
يرى الدكتور عبد الوهاب المسيرة أن الصهيونية مثل النازية من حيث هما تعبير عن مأزق أوروبا في مراحل تطورها التاريخي، ويفضح من جهته الكاتب الأمريكي مايكل جولد في روايته يهود بلا مال الجهود الاستغلالية للحركة الصهيونية من أجل إكراه اليهود معنوياً على الالتحاق بجهودها لبناء وطن على أساس قومي في فلسطين، وبحيث كانت تستغل الحاجات الاقتصادية لليهود من الفقراء وتربط فرص حصولهم على العمل بالانتماء للحركة الصهيونية وتأييدها.
كما أن معظم رموز الحركة الصهيونية لم يكونوا أصلاً من اليهود المتدينين، ويمكن اعتبارهم علمانيين في الممارسة الحياتية، وأخذت الصهيونية موقفاً مناقضاً لقناعات اليهود المتدينين الذين رأوها تدبيراً غير إلهي من أجل عودتهم إلى فلسطين، بينما الاعتقاد الديني اليهودي يقوم على مجموعة من الملابسات الخلاصية التي ترتبط بالفعل الإلهي وليس المؤتمرات والجهود الصهيونية.
اللورد آرثر بلفور صاحب الوعد الشهير الذي تحل مئويته في العام الجاري كان من المعادين للسامية، ويناصب اليهود عداء معلناً، والوعد الذي أطلقه كان حلاً سياسياً لتجنيب بريطانيا تبعات هجرة يهودية لأراضيها من أوروبا التي أخذت دعوات معاداة السامية تتصاعد فيها، ولم يكن وضع الأقليات اليهودية مستقراً في أي مكان في أوروبا، الأمر الذي أعطى المدى المطلوب للصهيونية من أجل التحالف مع الاستعمار التقليدي لترحيل اليهود إلى فلسطين بصورة مكثفة تسمح بأن تجعلهم يشكلون كتلة سكانية منافسة للعرب على أراضيها في خطوة تجاه حل المشكلة الأوروبية على حساب السكان الفلسطينيين العرب.
لم يكن الأمريكيون مهتمين بالمشروع الاسرائيلي برمته حتى وجودوه ضمن التركة التي آلت لهم بعد الحرب العالمية الثانية واستقرت لديهم بعد حرب السويس 1956، وبدأت أوروبا المنشغلة بإعادة تعريف هويتها والدخول في مرحلة الاتحاد الأوروبي بالتخفف من المسؤولية الأخلاقية عن دورها المتحالف مع الصهيونية في حل المسألة اليهودية كما أسمتها الأدبيات الأوروبية خارج حدود القارة الأوروبية، ووجد العرب أنفسهم بين ثقافتين سياسيتين، الأولى تدار من واشنطن وتمتلك نصف الصورة فقط والذي يبدو فيه اليهود في فلسطين أمراً واقعاً وكياناً مكتملاً، بينما الثاني يمتلك النصف الآخر من الصورة والذي يظهر فيه اليهودي بصورة الضحية وابن الخطيئة الذي يجب أن يتم تدبر أمره بطريقة أو بأخرى، وفشلت الدول العربية في أن تجعل أحداً يستكمل الصورة ليتبنى صورة متكاملة حول الأساس القانوني والأخلاقي للمطالب العربية.
يمكن أن الولايات المتحدة تستطيع أن تؤثر اليوم في مشهد المنطقة من خلال قدرتها على التأثير على الفضاء السياسي العالمي، ولكن حلاً للوضعية القائمة في فلسطين المحتلة والمنتج الصهيوني غير الشرعي وغير القانوني القائم على أرضها يجب أن ينطلق من أرضية أوسع ومن عمق أبعد، وعلى ذلك، فالسلام في المنطقة لا يجب أن يعقد في إطار أي صفقة جزئية أو مرحلية، فالسلام الوحيد المقبول هو أن تتخلى اسرائيل عن الأرض وعن يهودية الدولة من أجل أن يتم استيعاب اليهود بوصفهم كتلة بشرية في المنطقة تستطيع أن تتعايش بسلام مع الآخرين، وهذه المنطقة استطاعت سابقاً أن تستوعب الوجود اليهودي بعد الأندلس دون أن تختمر فيها أي لمحة لفكرة المحرقة أو البوغروم.
كل ما فعلته الصهيونية هو استبدال القلعة بالغيتو، وضمن هذه العقيدة يصبح السلام أصعب وأكثر استغلاقاً.
الرأي