facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لا تقذف الفتاة حتى بالورد .. بقلم المحامي خضر قبطان


19-11-2008 09:14 PM

كنت ذات يوم في زيارة لشخص كان في ما مضى صديقا. وأثناء الزيارة تمادى ذلك الشخص عدوانا وظلما على شقيقته فصفعها. وما كان من الصبية إلا أن انسحبت من المجلس باكية بصمت لا زال يوجعني حتى بعد سنين .
لا شك أنها انسحبت وهو تشعر بالمهانة الظالمة والقهر المؤلم.
عاتبته عندها فقال لي: ( لا عليك منها ... البنات ..... ) فأجبته فورا: (الأشياء التي ذكرتها يا هذا لا تصنع إلا أزواجا أزواجا.)
تجاوزت حق الضيف ، وقطعت الزيارة دون اعتذار ، وقطعت علاقتي معه إلى الأبد. ومن هذا الحضيض المتدني أقفز فورا إلى ذروة الذوق الرفيع والخلق الراقي فأذكر أن أخا عزيزا فاضلا شاهد ذات يوم ابني وهو يمازح شقيقته فتقذفه وقذفها بكرة البينجبونج ، فقال له : ( يا سؤدد ! الفتاة لا تقذف – يا عم – لا تقذف حتى بالورد.)
ذكرني بهاتين القصتين خبر لا أعلم مدى صحته مفاده أن مشروع قانون وضع أمام ديوان التشريع والرأي لغاية اسئصال العنف الأسري. لم أطلع على مشروع القانون طبعا ، ولا أعلم إذا كان ثمة مشروع ، فإن كان فاني على يقين من أن الذين صاغوه على ثقة بأن أعظم قانون من القوانين لن يقوى على الحلول محل الإسكاف ، ولن يقوى على صنع ذلك الرجل الفاضل ، فما صنعته إلا بيئته الأسرية الراقية القائمة على التقوى والخلق الراقي والطوية النظيفة
لا بأس أبدا في صياغة مشروع قانون ولا في استصداره. لا بأس في ذلك طالما أن القائمين على الأمر موقنون أن القانون أداة قاصرة ، وأن ضرره قد يكون أكبر من نفعه. ورب قانون صرخ عاليا يوم إصداره مستغيثا أن أنقذوني من قصوري!
القانون أداة قاصرة ــ ويقولها محام تجاوز عمره المهني أعمار بعض الوزراء. القانون أداة قاصرة ، ولكل أداة قاصرة وظيفة محددة تؤديها ، ولا يجوز أن تؤدي غيرها. فمن ذا الذي يضع القَََدوم موضع قوس الكمان ؟ ومن ذا الذي يضع قوس الكمان موضع السيد؟ ومن ذا الذي يضع السيف موضع قلم الرصاص
القانون أداة قاصرة. ويندر أن تكون ثمة أداة تؤدي وظيفتها بإتقان مبرأ تماما من كل عيب. وليس بوسع أداة أن تعمل منفردة مستقلة عن سائر الأدوات المناسبة ، وعلى جميع الأدوات أن تعمل متضافرة في نسق واحد واقعي محكم.
العنف الأسري مسألة تدخل – كما علمتني تجربتي – ضمن نطاق السياسة الاجتماعية. وللسياسة الاجتماعية أدوات قاصرة متعددة منها أداة تسمى التشريع أو القانون. فإذا اسخدمت هذه الأداة خارج نطاق سياسة اجتماعية معتمدة كانت كالقدوم يوضع موضع قوس الكمان ، وكقوس الكمان يوضع موضع السيف ، وكالسيف يوضع موضع قلم الرصاص. فأين الناصح الذي وصفه نبي الله يوسف عليه السلام ؟
كنت أثناء عملي في وزارة التنمية الاجتماعية واحدا من مجموعة صغيرة من الموظفين تنادي بضرورة صياغة وثيقة تحدد سياستنا الاجتماعية ، وتحدد بدقة معنى هذه العبارة ، اهدافها ومبادئها واستراتيجياتها ، وتحدد أدوات السياسة الاجتماعية وضوابط عمل كل أداة ، وتحدد معايير التقويم والتغذية الراجعة واليات التصويب بعد التقويم—"ولا أقول التقييم". ولقد قدمت أكثر من مرة مشروع وثيقة من هذا القبيل إلى أكثر من وزير ، وحرصت في كل مرة أن أضع تعريفا وظيفيا لكل كلمة وعبارة مما سبق كالسياسة الاجتماعية والمبدأ والاستراتيجية وما شابه هذه الاصطلاحات. وكنت أبني ما كتبت على تصور نظري أظنه مستخلصا من الواقع.
أعترف أنني فشلت. ولكني لم أعلم أن مجلس الوزراء أقر وثيقة تبين السياسة الاجتماعية ولا أعلم أن وزارة التنمية الاجتماعية رفعت إلى مجلس الوزراء مثل هذه الوثيقة.
في ضوء هذه المعلومات أجدني متأكدا أن أي قانون لا يصدر في إطار سياسة اجتماعية معتمدة سيفشل . وكم فشلت من قبل قوانين وتشريعات لا زالت سارية المفعول نظريا سلبية الاثار واقعيا. وكم عزونا الفشل إلى سوء التطبيق ، كأن فشل التطبيق ليس عيبا في التشريع ذاته. إن الاستجابة لتوجيهات جلالة الملك لا تعني أبدا القز إلى المجهول ، بل تعني المباشرة فورا بعمل منهجي متكامل يقوم على حسن التدبير وعلى قواعد العمل العام المدروس. فأين الناصح الذي وصفته وأوصت به ابنة النبي شعيب "عليه السلام"؟
منذ إحدى عشرة سنة تركت عملي في الحقل الاجتماعي ، وآثرت خلاله الصمت تفاديا لشبهة عنتريات ما بعد التقاعد. إنني لم أنس تجربتي ، ولم أنس رسالتي ، فأجدني اليوم راغبا في أن أقول شيئا للمعنيين عسى أن يلقى عناية وقبولا. علينا أن نميز دائما ما بين المشكلة وما بين مظاهر بروزها على أرض الوقع. واختصارا أقول ودون مقدمات: إن العنف ليس هو المشكلة ، بل هو مظهر لمشكلة أخرى أو لظاهرة أخرى. وكثيرا ما اختلفنا على الفرق ما بين المشكلة والظاهرة والأزمة. العنف أثر من أثار المشكلة وشكل من أشكال تبلورها على أرض الواقع.
العنف تشويه في الوجدان نتج عن اختلال في المنظومة القيمية العامة وعن إحساس بالظلم والقهر. ليس العنف هواية ، بل هو وجع يعاني منه منه من يمارسه كما تعاني منه الضحية. ألا ترون أننا نصك أبواب سياراتنا وأبواب ثلاجاتنا وأبواب منازلنا وغرفنا صكا عنيفا لا مسوغ له ؟ ألا ترون أننا نفتح ستائر نوافذنا بالعزم اللازم لجر قاطرة أو بارجة أو لطرح فيل على الأرض. ألا ترون أننا نصارع مفاتيح حواسيبنا كأننا ننتقم منها ؟ أليس كل ذلك تعبيرا عن غضب مخزون في شعورنا وفي لا شعورنا ؟ واقرأوا إذا شئتم ذلك الكتاب الرائع المسمى: الغضب.( Madow,Leo-Anger-Publisher:Charles Scribner's and Sons,NewYork.1972 edition

العنف كالمياه الجوفية المحبوسة ما بين الصخور ، أو كالمياه المحبوسة في جدران منازلنا. إنها تتدفق من حيث تجد النقطة الضعيفة ، فإذا وصلت إلى الأسس والقواعد فعلت فعلها هناك.
علينا إذن أن نتعرف على العوامل التي تولد العنف وترسخه. ولا شك أن من أخطرها الإحساس بالظلم والافتقار إلى العدل. والعدل سلعة غالية عصية. ومن العوامل الخطرة أيضا فشلنا في ان نتلمس الناس والمجتمع والصالح العام في أنفسنا ، وأن نجد أنفسنا ممتدة في كيان الآخرين. نحن حبيسو أنفسنا ومصالحنا المفترضة. ما أقسى هذه الحقيقة!
ونعود إلى القانون. إنه كيان يقوم على الكوابح والروادع الحقيقية والمفترضة. والكوابح والروادع لا تزيد المكبوح إلا طغيانا واستكبارا ومزيدا من العنف.
لنعمل فورا على تحديد معاني كلماتنا واصطلاحاتنا ، ولنباشر فورا في رسم سياستنا الاجتماعية ، ولنحدد أدواتها ، ولنحدد ضوابط عمل كل واحدة من هذه الأدوات ، ولنحدد مشكلاتنا متمايزة عن أسبابها وآثارها ومضاعفاتها.
وقت طويل طويل؟ أجل. وهل كان قصيرا ما أضعناه من وقت في ما مضى ونحن مرهقون بركضنا الموضعي؟
كثيرا ما قيل لي إنه قد مضى زمن اليوتوبيات. وكثيرا ما تمنيت أني لا أصدق. تعلمت من الحياة صحة تلك القاعدة المحكمة في علم أصول الفقه: ما لا يدرك كله لا يترك جله. إن مجرد التوجه إلى العمل السديد يخفف تلقائيا من وطأة العنف ، ويحمي المرأة والرجل والموظف والرئيس والمرؤوس والمراجع وأعضاء الحزب الواحد والجيران في الحي الواحد والساكنين في البيت الواحد. أما آن لنا أن نقتفي منهاج ذي القرنين؟
نحن نقبل أيادي أمهاتنا وابائنا إجلالا وافتخارا وامتنانا. ونحب شقائقنا اللاتي اشتققن كما اشتققنا من جوهر واحد. نحن نحبهن ونحترمهن ولكن ليس بمقتضى أي مادة في أي قانون. نحن نحبهن ونقدم إليهن الورد تقديما ولو أن معه شوكه. نقدم إليهن الورد تقديما ولانقذفهن به قذفا ، فشقاقنا لا يقذفن حتى بالورد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :