اعلن التيار الوطني قبل يومين مكتبه التنفيذي البرلماني من نواب جلهم ان لم يكن كلهم من اولئك الذين لا تتجاوز خبرتهم البرلمانية دورة واحدة حتى ان بعضهم فاجأنا بوجوده تحت القبة، وهو امر يعكس حالة بات يعرفها الجميع وعنوانها عزوف الخبرات الكبيرة عن الانضمام للتيار الامر الذي يعيد بالتالي طرح الاسئلة حول المضامين السياسية للتيار.
سعدت في الايام الاخيرة من عمر مجلس النواب السابق بان التقيت برئيسه معالي ابو سهل وكانت فرصة لافهم من معاليه عن خطته السياسية للمرحلة المقبلة (انذاك) وقال لي (وقتذاك) انه يستعد لتشكيل تيار سياسي يضم شخصيات من خارج وداخل المجلس على السواء لتخوض غمار الانتخابات البرلمانية بما يسمح بالتالي لانتاج اغلبية برلمانية وسطية تقود المجلس الخامس عشر رقابة وتشريعا، وكانت لدى الباشا امال في ان يكون هذا الحراك بوابة لتأسيس تيار سياسي قادر على ان يحشد الاغلبية غير المتحزبة من الشعب ويجري تأطرها بما يكفل منع احتكار تيارات اخرى النطق باسم من لا ناطق باسمهم.
حماس الباشا اصطدم بعامل الوقت اذ كانت الانتخابات النيابية على الابواب الامر الذي جعل من جهود تأسيس التيار تتلو الانتخابات لا ان تسبقها وهكذا كان ان خيضت الانتخابات على الطريقة المعروفة فماذا كانت النتيجة:
اولا: تم تحييد خبرات سياسية كبيرة وعريقة في المجلس الحالي لمجرد انهم اختاروا التحرك من موقع الموالاة غير المؤطرة في التيار.
ثانيا: جرى الاعتماد على شخصيات برلمانية في اللجان المختلفة ممن يحتاجون الى وقت اضافي لكي تكتمل لديهم الخبرة وبالتالي جرى حرق مراحل لدى البعض بما عجل في حدوث ارباك وعطل بالتالي امكانية الاستفادة ممن لهم باع في الرقابة والتشريع.
ثالثا: تم تحويل الاغلبية المرنة التي تتمتع بها الحكومة والتي قد يصل قوامها الى ما يزيد على 90% من اعضاء المجلس الى اغلبية جامدة وجرى تضييقها بحدود الكتلتين اللتين جرى تشكيلهما الامر الذي اشعر الجميع بان لدى الحكومة فائض من التأييد هي ليست بحاجة اليه.
رابعا: جرى الاستعجال في تشكيل تيار وسطي بحيث كان الانطباع بان تشكيل التيار ما جاء الا لاغراض انتخابية تحت القبة وتعزز هذا الانطباع من خلال التلكؤ في صياغة برنامج سياسي يمكن مناقشته والاشتباك معه حواريا وبالتالي استمرت حالة الفراغ السياسي الذي جاء التيار لكي يملاء حيزه واصيبت الحياة البرلمانية بـ " menopause سياسي" وهو امر ما كان ليحدث لولا الاستعجال في تأسيس التيار.
نغبط رئيس المجلس سعيه للاسهام في مأسسة الحياة الحزبية والسياسية لكن النوايا الطيبة يبدو ليست شرطا وحيدا لتحقيق النتائج المرجوة.
لقد تولدت ظاهرة سياسية برلمانية جديدة لم تكن موجودة سابقا فقد كان معيار القوة والاقتدار للنائب تتبدى من خلال كفاءته في الرقابة والتشريع لكننا اضحينا نرى نوابا "اقوياء" دون ان نرى افعالهم الرقابية او التشريعية ولعلها الظاهرة جديرة بالمتابعة. لن نتجنى على انجازات التيار المقتصرة على انتخاب الرئيس ومكتبه الدائم فالمشهد برمته يختزل محاولة غير يائسة لمأسسة العمل السياسي لكننا في المقابل لن ننتظر عاما اضافيا لاصدار الحكم.
samizobaidi@gmail.com