جمعة اختار أن يرهق نفسه بالقروض، صبر وتعب كثيراً كي ينجز حلمه ويرحل من المخيم ويبني بيتاً جديداً، أرهقته المطالبات وبالكاد كان يصل إليه من راتبه إلا القليل، اشتغل جمعة في الليل بعمل آخر غير عمله بالجامعة الذي يتفانى به، لكنه لم يطل البقاء في العمل الآخر الذي كان في مطعم يملكه رجل مهم، يرد إليه الساسة وبعض التجار والإعلاميين كتاب المديح الزائف آخر الليل، فأتيح لجمعة أن يعرف أخلاق الساسة والاقتصاديين، فأصابته الصدمة، وزاد اصراراً على المضي بالعمل، حتى يرى الزيف الكامل لهم، وفي كل يوم كان يكتشف كيف تدار الصفقات وتخلق العلاقات بين من يشبعون الناس وطنيات في النهار في الإعلام وينهشون الوطن ليلاً.
استقال جمعة بعد شهرين؛ لأنه لم يرد البقاء في بيئة وجد أنها غير صالحة، برغم حاجته للقرش قبل الدينار، أبى أن يرى الكذابين والدجالين، فسعى لعمل آخر، وحين سأله مرؤوسه في الجامعة لماذا تركت العمل الآخر وأنت بحاجة لكل قرش لسداد الديون واكمال بيتك ومغادرة الصفيح في المخيم؟
قال جمعه: صحيح أنا بحاجة للمال والعمل كي أخرج من ضائقتي لكني احتاج للكرامة أكثر، ولم أستطع معاشرة وخدمة أناس يخطبون علينا بالوطنيات نهاراً، وفي الليل يقطّعون الوطن وينهشون من لحمه وكأنه شاة ذبحت ووضعت أمام جمع من اللئام.
سأل المرؤوس جمعة: هل تريد اصلاح المجتمع؟ لماذا لم تهتم برزقك وفقط، قال جمعة الرزق من هيك بيئة، الله الغني عنه، فنحن لنا كرامة ولا نستطيع النظر بأوجه الذئاب التي تأكل من لحم الوطن جاه وسلطة وهيبة، وفي الليل يلتقون ويقمسون المواقع والعطاءات والهبات.
جمعة لا يعيش في زمن الاقطاع، بل من أبناء اليوم الذين يرون أن الوطن ملاذاً وروحاً وبيت وعرض وشرف تجب حمايته، وبعد أن ترك المطعم ذهب لكي يبحث عن رزق جديد، ولأنه ثار على واقعه في مطعم الذئاب، لم يدفع له صاحب المطعم أجرته، المستحقة عنده، وما زال جمعة يطالبه، لكن جمعة انتصر لداخله وأخلاقه ووطنيته الحقة.
جمعة طفران، لكنه صاحب كرامة ومحب لبلده، أبى أن يرى أو يسمع الجشع والكذب وأبى أن يعمل بعمل يخدم به جماعة لا يريدون من الوطن إلا الجاه والمواقع، ولا يهمهم بشيء، لكنه بعد جهد انعم الله عليه واتمّ بيته وسكن به، صحيح أنه اليوم غارق بالديون لكنه مليء بالكرامة والشرف والكبرياء والصدق.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور