تجاوزات الحكومة على سيادة القانون في مشاريع الطاقة والمياه
الدكتور غازي العودات
04-04-2017 07:24 PM
لم يعد إنشاء المرافق العامة وإدارتها واستثمارها حكراً على الدولة في العصر الحديث، وأصبح من الممارسات العالمية الواسعة الدخول في شراكة ما بين القطاعين العام والخاص (Public Private Partnership) أو ما يعرف بـ PPP. ومن موجبات ذلك احتياج البنى التحتية والمرافق العامة لرؤوس أموال ضخمة قد لا تتوفر عند معظم الحكومات بالإضافة الى امتلاك القطاع الخاص لخبرات علمية وفنية متطورة ونادرة. من هنا بدأت الحاجة الى دخول الدول في شراكات مع القطاع الخاص لتقديم أفضل خدمة بأعلى جودة واقل كلفة للمواطن كمشاريع الاتصالات والمطارات والنقل وغيرها. وبذلك تولدت عدة نماذج لتطبيق الشراكة من أشهرها النظام المعروف باسم البوت BOT والقائم على البناء والتشغيل ونقل الملكية، ونظام ال البي أو أو BOO القائم على البناء والتملك والتشغيل، وغيرها.
ورغم الجدل القديم بشأن إيجابيات الشراكة وسلبياتها إلا أنه يمكن القول بأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص سلاح ذو حدين، فإذا ما أحسن استخدامها آتت أكلها بمليارات من الاستثمارات وحققت تنمية فعلية ومستدامة انعكست على حياة ومستوى دخل المواطن، كما حصل في سنغافورة وتركيا وعدة دول أوروبية، وأما إذا أسئ استخدامها كانت وبالاً على الدولة والمجتمع ومدخلاً للفساد.
لقد مهد قانون التخاصية في الاردن لدخول القطاع الخاص إلى المرافق العامة الحيوية، ومن ثم جرى إدخال نصوص في قانون الكهرباء وقانون سلطة المياه والاتصالات أجازت قيام مشاريع شراكة مع القطاع الخاص، وتمت بالفعل إقامة عدة مشاريع شراكة بموجب تلك القوانين مثل مشروع توسعة المطار ومشروع مياه الديسي ومحطة تنقية خربة السمراء وغيرها، الى أن صدر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 31 لسنة 2014 . لقد أعاد هذا القانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وأنشأ مجلس الشراكة ووحدة الشراكة وحدد مسؤولياتهم وصلاحياتهم وجعل أي مشروع شراكة خاضع لدراسات مالية واقتصادية وفنية معمقة منها ما يتعلق بقابلية المشروع للاستدامة ومنها ما يخص تناسب الكلفة مع المنفعة وقدرة المستهلك على تحمل الكلفة وتحويل المخاطر الفنية والتشغيلية والمالية بشكل جوهري الى الجهة المتعاقدة. وهكذا نظم قانون الشراكة من جديد موضوع الشراكة مع القطاع الخاص. وبما أن هذا القانون صدر بتاريخ لاحق لجميع القوانين التي نصت على موضوع الشراكة فإنه يعتبر ملغياً لها ضمنيا.
ثم فوجئنا بصدور قرار عن مجلس الوزراء يتضمن الموافقة على استثناء قطاعي المياه والطاقة من تطبيق احكام قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص ولمدة عامين بناء على طلب من وزيري الطاقة والمياه. الملاحظ أن هذا القرار لم يستند على اي نص قانوني لاستثناء هذين القطاعين من أحكام قانون الشراكة. فالإشكالية الواضحة لهذا القرار انه يخالف قانون الشراكة بشكل صريح، ذلك ان هذا القانون لم يجز للحكومة استثناء أي قطاع من نطاق تطبيقه الا إذا ارادت الحكومة ان تقوم بتنفيذ هذه المشاريع بنفسها ودون الشراكة مع القطاع الخاص. والقول بغير ذلك فيه مخالفه صريحة لنصوص وروح وغاية قانون الشراكة.
أين الخطورة المترتبة على هذا القرار؟ إن الأردن مقبل على مشاريع في المياه والطاقة تقدر قيمتها بعشرات المليارات كالمفاعل النووي وناقل البحرين ومشاريع الطاقة المتنوعة. وعليه فإنه بمقتضى قرار مجلس الوزراء أعلاه سيتم تنفيذ هذه المشاريع بمنأى عن قانون الشراكة، وبالتالي تفويت الغاية من القانون بتجاوز دور مجلس الشراكة ووحدة الشراكة التين أنشأهما القانون وخولهما الموافقة على مشاريع الشراكة بناء على دراسات مالية تبين الكلفة والمنفعة والمخاطر وكيفية توزيعها وتوفير الشفافية لإجراءات الشراكة أمام الراي العام.
قد لا تتكشف الآثار السلبية لقرار مجلس الوزراء بهذا الاستثناء، ما لم يتم الرجوع عنه، الا بعد عدة سنوات. فاذا نفذت هذه المشاريع بالاشتراك مع القطاع الخاص وفي نفس الوقت بمعزل عن أحكام قانون الشراكة وبدون التأكد من خضوعها للدراسات المنصوص عليها فيه فإننا سنكون امام مخالفة صريحة لحكم القانون ومصدر للإشاعات والأقاويل في غياب الشفافية والحقائق، وستدور من جديد شبهات فساد حول تلك المشاريع التي قد تكون عرضة للإخفاق وستتكرر تجربة التخاصية المؤلمة. ومن ناحية أخرى فإنه في حال تنفيذ مشاريع الطاقة بالشراكة مع القطاع الخاص سنداً لهذا القرار فسيكون في ذلك مظنة سوء استخدام السلطة والصلاحيات وتجاوز على القانون. فلا يفهم كيف لقرار يصدر عن مجلس الوزراء أن يخالف أحكام القانون!!
ما الحل لهذه المشكلة؟ الحل يكمن في قيام مجلس الوزراء بسحب قراره السابق وإلغاء آثاره مما يؤدي بالنتيجة إلى تطبيق أحكام قانون الشراكة على مشاريع الشراكة في قطاعي الطاقة والمياه.
جلالة الملك في كتاب التكليف للحكومة ركز على مبدأ سيادة القانون في جميع مناحي إدارة الدولة. وعليه فإن الحكومة بهذا القرار الذي يخالف القانون تكون قد انتهكت مبدأ سيادة القانون وخالفت توجيهات كتاب التكليف والورقة النقاشية السادسة التي ركزت على سيادة القانون في الدولة الحديثة.
في واقع الأمر لقد عانى الاردنيون من تجاوزات الحكومات المختلفة على مبدأ سيادة القانون، الأمر الذي لا يمكن قبول إعادة إنتاجه من جديد، فلا يمكن أن تقوم للأردن قائمة ولا يمكن أن يتخلص من أزماته المتفاقمة إلا بالإدارة الرشيدة للشأن العام في ظل سيادة القانون التي تصون المال العام وتحافظ على مكتسبات الاردنيين ومؤسساتهم التي بنوها عبر تاريخهم وتضحياتهم جيلا بعد جيل. فالدول الناجحة ليست تلك التي لا تخطئ، وإنما تلك التي تتراجع عن أفعالها عندما يتبين لها خطأها وتراجع تجاربها بتجرد وتتعلم من اخطائها حتى لا تكررها في المستقبل.