حماس: مراجعة تاريخية أم انخراط في التسوية!!
د. زيد نوايسة
04-04-2017 07:22 PM
بعد انقضاء ثلاثين عاماً على إعلان حركة حماس ميثاقها التأسيسي ورؤيتها للصراع العربي الإسرائيلي؛ من المنتظر صدور المراجعة التي يتم الاعداد لها منذ فترة والتي تسربت بعض مرتكزاتها الجديدة والتي ستعتبر تحولاً تاريخياً في مقاربة الحركة المقاومة التي أنهت وعبر ثلاثين عاما إحتكار حركة فتح والقوى اليسارية الفلسطينية التمثيل السياسي والثوري للقضية الفلسطينية. المسودة التي سربتها قناة الميادين الفضائية وجاءت في أحد عشر فصلاً وواحداً وأربعين بنداً تفصيلياً.
قامت حركة حماس بمجرد الانتهاء من صياغتها بتوزيعها على قيادات مكتبها السياسي وأعضاء مجلس الشورى العام تمهيدا للإعلان عنها خلال الأيام القليلة المقبلة في مؤتمر صحفي قد يكون بالعاصمة القطرية الدوحة وقد يعلنها رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، الذي تنتهي فترة ولايته الشهر الحالي، بعدما كان ينتظر أن يعلن عنها بعد انتهاء الانتخابات الحالية وتشكيل مكتب سياسي جديد.
الوثيقة تتبنى قدراً عالياً من المرونة السياسية والبراغماتية في مجمل الملفات وتراعي التغيرات الدولية والإقليمية والعربية توجه رسائل للعرب والمجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية. ولعل أبرز ما تشير إليه إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس دون الاعتراف بإسرائيل والتفريق بين اليهودية كعقيدة والصهيونية مع الإشارة الصريحة بعدم التنازل عن فلسطين التاريخية مهما طال الاحتلال وفك الارتباط الايديولوجي بتنظيم الاخوان المسلمين ملغية بذلك البند الأول في ميثاقها التأسيسي والذي يشير الى ان حركة حماس هي جناح من أجنحة الاخوان المسلمون في فلسطين وذلك في رسالة واضحه للمجتمع الدولي لا سيما في ظل الحديث المتزايد عن إدراج الاخوان المسلمون كحركة إرهابية وتبعات ذلك على مستقبل الحركة وبنفس الوقت رسالة لمصر التي تسعى حركة حماس لتحسين العلاقة معها؛ وكذلك لبعض الأقطار العربية والخليجية كالأردن والامارات العربيةً المتحدة.
الوثيقة المنتظرة التي تحمل المراجعة الأكبر والأوسع في تاريخ الحركة سبقتها مقاربات ومراجعات وأن كانت اقل جرأة ومنها مبادرة مؤسس ومنظر الحركة الشيخ أحمد ياسين عندما دعا إلى هدنة طويلة الأمد تمتد لعشر سنوات مقابل وقف عمليات المقاومة، وهدنة طويلة الأمد مقابل الانسحاب من غزة والضفة الغربية، وبرنامج حماس السياسي الانتخابي في عام 2006 والذي بموجبه صعدت الحركة الى السلطة ومن خلال وجودها عمقت من علاقاتها العربية والدولية، وتبعها وثيقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس وتمت برعاية مصرية.
من الواضح أن حركة حماس تسعى اليوم بوضوح لإعادة تعريف رؤيتها للمشروع الوطني الفلسطيني وتقديم نفسها كحركة أقرب لمقاومة المشروع الصهيوني منها لحركة أيديولوجية وهي تسعى لعدم تفويت الفرصة كما فوتت في السنوات الأخيرة عروضاً قدمها مسؤولون غربيون على قيادة الحركة من أجل إعادة انتاج خطابها وتقديم مقاربة سياسية متوازنة تسمح بقبولها لدى المجتمع الدولي وأوروبا تحديداً. ولعل أهم ما في تلك المبادرات ما تسرب عما قدمه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وعرضه على قيادة حركة "حماس" في قطر ويتضمن الموافقة على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تصل إلى 15 عاماً وأن يُعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي ذلك في مؤتمر صحافي في العاصمة البريطانية، يقابل ذلك فتح الطريق لإقامة علاقات قوية مع دول أوروبية وأن تساهم تلك الخطوة في حال حصولها بالاعتراف الأمريكي بالحركة غير أن قيادة "حماس" في غزة هي من أفشلت ذلك.
بالتأكيد نحن أمام مقدمة تدريجية لتحول تاريخي في موقف الحركة من إسرائيل بغض النظر عن المواربة في تصريحات قادتها والتي تحاول التقليل من وثيقة المراجعة التي تعتبر بمثابة إعادة صياغة للميثاق التأسيسي، وهي أشبه بذلك التحول الذي أعلنته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في عمان عام 1984 وكان أهم قراراتها قبول مبدأ الأرض مقابل السلام وموافقة المنظمة على عقد مؤتمر دولي للسلام تحضره كل الأطراف بما فيها إسرائيل وشهدت تلك الدورة للمرة الأولى تكرار عبارة "نبذ الإرهاب" من قبل المنظمة، وكذلك الدورة التاسعة عشر التي عقدت في الجزائر وأعلنت فيها وثيقة الاستقلال والدورة الحادية والعشرون التي عقدت في غزة وتم فيها اتخاذ اخطر القرارات والتي تضمنت تعديل وإلغاء بنود من الميثاق الوطني الفلسطيني والاعتراف بحدود الانتداب وإلغاء الكفاح المسلح وإعادة صياغة الموقف من الحركة الصهيونية وقرار رقم 181 المتعلق بتقسيم فلسطين.
ما سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القادمة هو نتاج لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الرعاة الإقليميين والعرب لحركة حماس والايادي التركية والقطرية واضحة في هذا التحول الاستباقي للحركة سعياً منها للاندماج في المجتمع الدولي بعد أن تفهمت عدم مقدرة تركيا على توظيف المصالحة وعودة العلاقات مع إسرائيل في رفع الحصار عنها ولإدراك خالد مشعل بأنه لا يملك من العلاقات الإقليمية والدولية ما يمكنه من الاستمرار في تشدده وأنه اليوم مضطر للآخذ بنصيحة حليفه الأوثق إقليمياً "أردوغان" والمؤهل لقيادة أي وساطة مستقبلاً مع الإسرائيليين في إعادة صياغة الميثاق السياسي للحركة حتى يستكمل استدارته السياسية منذ خروجه من دمشق وانحيازه للمعارضة السورية انسجاماً واستجابة لحليفه العربي الوثيق "قطر" وحتى لا تنجز التسويات الكبرى بمعزل عن وجود الحركة بعد انكشافه أستراتيجياً وعدم وجود ظهير عربي يحميه نتيجة خيارات قيادة الحركة الخارجية الخاطئة وتدخلها في الأوضاع الداخلية للعديد من الدول العربية.