ينتصفُ الليلُ، وأنتَ تجوعُ. إنَّهُ الليلُ، لا يحرسُ الشهواتِ. لا يدعها تنامُ، يخدعكَ بكأسٍ صغيرةٍ من نبيذٍ لأجلِ النعاس. ويوقظُ فيكَ المدينة.
وما المدينةُ سوى امرأةٍ بعيدةٍ، ترقصُ بينَ سبعةِ جبالٍ. وليسَ تشبهها المدنُ والنساءُ، وتلكَ عمَّانُ التي ترنُّ أقراطها في قلبي، وأودُّ لو أبوسها تحتَ الأذنين، لأشمّها، وأفتِّشَ عن رائحةٍ قديمةٍ، كلُّها لوزٌ وسمَّاقٌ وياسمينٌ شاميٌّ، وعمّونُ شاميَّةٌ، تتكاثرُ فيها البحراتُ، و"أرضُ الديار" ولَن تنامَ يوماً على كَتِفِ الصحراء.
لو كنتُ في عمّانَ الآن، فالعشاءُ كلّهُ منثورٌ على رفوفِ الخشب. هُناكَ في العبدلي، في أوّلِ شارعِ السلط، يميناً على يمينِ الليلِ في مخبزِ "صلاحِ الدين": كعكٌ ساخنٌ بالسمسمِ. بيضٌ مشويٌّ. جبنةُ "أبو الولد"، وزعترٌ وشايٌ.
يا إلهي. يا إلهَ البعيدين. كُنْ معي. أنا أيُّ رجلٍ جائعٍ وخائفٍ في آخرِ الليلِ. أخافُ على امرأتي البعيدة بينَ تلكَ الجبالِ التي رفعتَها حجراً حجراً، وكتبتَها قصيدةً للعشّاق. أخافُ عليها من الظلامِ، فقد ودعتني ذات نيسانٍ بفستانٍ ربيعيٍّ، ترقصُ فِيهِ الفراشاتُ. عُدْ بي، حينَ تعودُ بي إليها، كما ودعتُها في آخرِ مرَّة، ولا تكتبها أرملةً في حدادٍ طويل.
لقد نسيتُ حنيني في آخر الليل. أنا جائعٌ يا إلهي. أودُّ كعكاً من مخبزِ صلاحِ الدين. أنتَ تعرفُ عنوانه في العبدلي. تعرفُ رائحةَ الخبزِ الساخنِ. تعرفُ وجعي. لستُ جائعاً كما يجوعُ الرجالُ. أنا مشتاقٌ، كما يبكي الرجالُ، وذلكَ هو أقصى الجوعِ يا سيّدي..
(عن صفحته الفيسبوك).