كانت الساعة تشير الى الرابعة والنصف صباحا عندما استيقظت من النوم ، اشعلت الحطب لاحتساء القهوة ، ولكن مخزون الاخشاب كان ينذر بأنه لا بد من التزود بالوقود قريبا ، فمنذ حلول ازمة الاخشاب الامريكية في العام 2012 واسعار الحطب في تصاعد ، بالامس صرح وزير الطاقة الخشبية والحطب ان الاردن بخير ولن تهزه هذه الازمة لا من بعيد ولا من قريب وان احتياطيات الاخشاب لاغراض الطاقة في عجلون والعالوك وغور الصافي ستكفي الاردن للعام 2015 ، وللمصادفة فقد كانت جماهير الناس بنفس اليوم في طوابير على محلات بيع الحطب وقد تجاوز سعر الطن الالف دينار لابل ويزداد السعر في السوق السوداء.
عندما فرغت من اعداد القهوة عرجت على الاسطبل حيث وقف حصاني البالغ من العمر خمسة عشر عاما والذي استخدمة للذهاب الى عملي بوزارة الخارجية على طريق المطار، وللدقة فان المسافة تستغرق حوالي الثلاث ساعات للوصول الى الوزارة، لهذا لا بد لي يوميا من الاستيقاظ باكرا ، اعلفت الحصان ومررت الى " خم " الدجاج ثم تفقدت البريد الزاجل باعلى الدرج، كانت خمس حمامات زاجلة تنتظر فك ارجلها من الرسائل، احد الرسائل كانت من ابن عمي في استراليا ينبئني انه قد بدأ رحلته الى الاردن ويتوقع وصوله بعد حوالي ستة اشهر ويطلب مني لقاءه في ميناء العقبة، الرسالة الثانية كانت فاتورة العربة التي تنقل اطفالي الى المدرسة ، وفي اسفل الورقة كتبت ملاحظة انه يجوز دفع الفاتورة بالوحدات الخشبية على ان تكون مرخصة من الحكومة.اما الرسائل المتبقية فلم تكن الا دعوات من رابطة الكتاب لحضور امسية قصصية بعنوان " الحطب والذخيرة" للكاتب باسل العكور والاخرى لحضور ندوة بعنوان " الموارد البديلة عن طاقة الاخشاب".
كانت زوجتي قد صبت القهوة عندما دلفت للمنزل ، سننتهي من شرب القهوة وابدأ "مشواري الصباحي " الى العمل فيما ستقوم زوجتي ونفر من اولادي لاصطياد وجبة الغذاء والتحطيب ، كانت نسمات الجنوب تنذر بأن الشتاء سيكون هذا العام طويلا وباردا ، قالت امرأتي انها ستستعمل سيارة المرسيدس الخردة في الكراج لتخزين بعض المخللات والجبن ، لم اعلق على الموضوع ، ثم اسهمت بان البس " الفروة" والشماغ " قبل خروجي لان الحرارة منخفضة قليلا في الخارج.
في الطريق الى العمل، مررت على جريدة الرأي وتناولت احد اللفائف الورقية من فوق حصاني الهرم حيث طالعني خبر " الجمعية الوطنية لحقوق الانسان تطالب الحكومة بتوخي العدالة بتوزيع كوبونات الحطب المصنع" وأخر " عمال مصنع الاخشاب يضربون عن الطعام احتجاجا على اجورهم المنخفضة" فيما تصدرت صورة وزير الاشغال الصفحة وهو يقص الشريط لافتتاح الخط الحجازي باستخدام الطاقة الخشبية" ، وفي اسفل الصفحة خبر عن الاردن الاخضر عام 2025 . لم اتيقظ لناقة وكيل الوزارة عندما تجاوزني، اومأ لي بان ساعته الرملية تشير ببدء الدوام وانني في تأخير ليوم اخر، بعدها بثواني كانت عربة الوزير يجرها ثلاثة خيول تمر من جانبي وبنفس النظرة السابقة من الوكيل رمقني الوزير ، ولكنه قال : اريدك في "الشق" حالا.
في "شق" الوزير كان قد اعلن عن وصول وفد من الشام لتباحث اثر العلاقات المتبادلة بين البلدين بعد حادثة اجتثاث مائة دونم من الغابات حول نهر الاردن ، وقد وصل الوفد بعد رحلة دامت اربع ايام ، لم يسمح لي بدخول شق الوزير فنكست عائدا الى" شق" الموظفين حيث وجدت كومة من الاوراق مكدسة امامي ، قام المراسل وصب القهوة السادة ، طالعت الورقة الاولى واذا به قد تم نقلي الى فرع الوزارة بــ " عيرا ويرقا" ، كدت ان اطير من الفرح لهذا الخبر ، للففت الشماغ على وجهي وشددت الفروة ثم قلت للموجودين : بخاطركم.