الموسم العاشر للمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام
03-04-2017 01:28 PM
عمون-أكد علماء ومؤرخون أنه آن الأوان لدراسة كيف يكتب المؤرخون العرب اليوم تاريخ أمتهم منذ مطلع القرن العشرين بموضوعية وشمولية وتحليل عميق حتى لا يكون تاريخهم عبئاً عليهم.
وطالبوا ببذل جهود مؤسسية دولية لحماية الآثار والوثائق والمخطوطات في مناطق الصراع، التي تشهد تدميرا وبيعا للتراث التي تشكل موارد التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
وطرحوا مسألة النهوض من واقعنا الراهن والإفادة من تجارب الماضي، بالإشارة إلى أن دعوات الإصلاح هبت على المنطقة منذ عقد ونيف وكان الجدل فيها مشابها لما كان في الدولة العثمانية زمن التجربة الدستورية الأولى عام 1876م وما لحق به، فبين دعاة التغريب والفكر الليبرالي وبين القول بالإصلاح وكان الجدل ينتهي بإعلانات ودساتير ومواثيق وطنية.
وأجمعوا على أن مناقشة التنظيمات العثمانية يعد معاينة للحال الراهنة، حيث تشكلت تحت وطأة المؤثرات الغربية وعنفها عل جدل التفكيك والتركيب.
جاء ذلك خلال انطلاق فعاليات الموسم العاشر للمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام في الجامعة الأردنية اليوم لمناقشة التنظيمات العثمانية وتطبيقاتها في بلاد الشام إبان القرن التاسع عشر، بمشاركة أربعين عالماً ومؤرخاً.
والمؤتمر الذي يعد تقليدا راسخا وأحد أبرز الأحداث الأكاديمية على مستوى العالم إذ مازال يعقد منذ خمسة وأربعين عاما ينظمه ويقوم عليه مركز المخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية بالتعاون مع جامعتي اليرموك ودمشق، أطلق أول مرة في 20 نيسان عام 1974م برعاية المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.
وهدف المؤتمر إلى دراسة تاريخ منطقة بلاد الشام مع مراعاة أن الولاء في بلاد الشام هو للهوية والثقافة العربية مع الاحترام للتعددية والتنوع في الثقافات الفرعية، مشيرا إلى أن بلاد الشام تعد خلاصة تاريخ العالم حيث قدرها أن تكون حلقة التواصل الثقافي والتجاري والبشري.
رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عزمي محافظة قال إن موضوع التنظيمات العثمانية شكل أحد أهم ملامح التاريخ العربي، إذ فتحت المنطقة العربية أمام أفق جديد من مؤثرات وتأثيرات عربية بدت آنذاك كالعاصفة التي تهب على كومة قش، في زمن شهدت فيه الدولة تراجعا كبيرا وصراعا بين النخب.
وتساءل محافظة "كيف ننهض من واقعنا الراهن والإفادة من تجارب الماضي"، لافتا إلى أن دعوات الإصلاح هبت على المنطقة منذ عقد ونيف، وكان الجدل فيها مشابها لما كان في الدولة العثمانية زمن التجربة الدستورية الأولى عام 1876م وما لحق به، فبين دعاة التغريب والفكر الليبرالي وبين القول بالإصلاح وكان الجدل ينتهي بإعلانات ودساتير ومواثيق وطنية.
ويعتقد محافظة في كلمته أن "المهم هو القدرة على الاستمرار في إطار الفكرة المؤسسة للجنة تاريخ بلاد الشام وفي تجدد موضوعاتها".
وتمنى أن ينجو تراث المنطقة العربية ووثائقها في مناطق الصراع، التي تشهد تدميرا وبيعا للتراث من الوثائق والآثار، وبحسب التقرير الأممية المثبتة فإن الآثار والمخطوطات النادرة تشكل موارد التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
وعبر محافظة عن أسفه عن تغيب مشاركة جامعة دمشق العضو المؤسس في لجنة تاريخ بلاد الشام التي انطلقت عام 1972م كإحدى توجهات الفكر الوحدوي الذي يصدر عن الأردن ويؤسس لمشروع كتابة تاريخ الأمة، مكملا لمشروع الجامعة العربية الذي لم يكتمل بالصورة المبتغاة.
من جانبه قال مدير مركز المخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية الدكتور محمد عدنان البخيت لقد درسنا نشأة علم التاريخ عند العرب في العصور الإسلامية الأولى، وآن الأوان لدراسة كيف يكتب المؤرخون العرب اليوم تاريخ أمتهم منذ مطلع القرن العشرين بموضوعية وشمولية وتحليل عميق حتى لا يكون تاريخهم عبئاً عليهم.
وشدد على أن من يتصدى لكتابة تاريخ بلاد الشام يجب أن يكون ملمًا بتاريخ المنطقة وجوارها، فبلاد الشام كانت همزة وصل ونقطة التقاء للثقافات والحضارات واللغات، وبالرغم من سيادة الثقافة العربية الإسلامية السمحاء فإن تاريخ بلاد الشام ينصف بالتنوع وتعدد الأعراق والمعتقدات والثقافات الفرعية.
ولفت البخيت إلى أن دراسة إقليم بلاد الشام لا تسعى إلى انتزاعه عن لحمته العربية بل التركيز عليه ودراسته بشكل وافٍ وموضوعي، مشيرا إلى أنه جرت محاولات عديدة لكتابة تاريخ الأمة العربية.
وأكد أن تجربة دراسة بلاد الشام تزامن مع مبادرة الزملاء في المملكة العربية السعودية لكتابة تاريخ الجزيرة العربية، مؤملا أن تتكامل مثل هذه المحاولات للوصول في يوم من الأيام لكتابة تاريخ الأمة العربية التي تتناهشها الأمم.
وقال: "تعاقبت أجيال من كرام المؤرخين العرب ومن غيرهم من أهل الاختصاص على المساهمة بكتابة جوانب من تاريخ بلاد الشام، وبعد مرور أربعة عقود ونصف نجد أن هذه التجربة الحية أوضحت بشكل جلي قيمة المصادر الجديدة من أرشيف الدولة العثمانية وسجلات المحاكم الشرعية والكنسية وقيود الأوقاف وملفات الأراضي والبلديات، هذه المصادر الجديدة تعضدها تقارير القناصل والرحالة ارتكزت عليها بحوث المشاركين في تاريخ بلاد الشام".
إلى ذلك وجد مندوب رئيس جامعة اليرموك الدكتور زياد الزعبي أن قراءة التنظيمات تبين جدل العلاقة بالآخر في أبعادها المختلفة، كما تظهر الآثار التي نجمت عنها في سياقاتها التاريخية والراهنة على حد سواء، فقد ترتب عليها تغييرات محورية في رؤية الأمور لذاتها وهويتها وحقوقها وطموحاتها.
واعتبر الزعبي أن مناقشة التنظيمات العثمانية يعد معاينة للحال الراهنة، حيث تشكلت تحت وطأة المؤثرات الغربية وعنفها على جدل التفكيك والتركيب.
وقال الزعبي: "إن المؤتمر يضعنا أمام حالة طيبة من التعاون والعلم الجاد الذي تنهض به مؤسساتنا الأكاديمية في سبيل تكوين رؤيتنا لذاتنا وتاريخنا في جوانبه كلها".
ويناقش المؤتمرون اليوم وغدا التنظيمات العثمانية وتطبيقاتها في بلاد الشام إبان القرن التاسع عشر عبر سبعة محاور توزعت على: المصادر الأساسية العربية والأجنبية المخطوط منها والمطبوع لإعداد الأبحاث، وأثر التنظيمات على التقسيمات الإدارية والعمران لبلاد الشام، والجهاز القضائي، والحرف والمهن والصناعات الزراعية، إلى جانب التجارة، والمؤسسات التعليمية والحياة الثقافية.
يشار إلى أن المؤتمر عالج في دوراته السابقة موضوعات تاريخية سياسية واجتماعية وثقافية لبلاد الشام لإبراز أثر هذه المنطقة من العالم على الحضارة الإنسانية، وأولى جوانب التاريخ الشامي كل الاهتمام، وأفرد لفلسطين وتاريخها حيزا تستحقه جلاء للحقائق وتذكيرا بها منعا لتشويهها وطمسها، وهي قراءات امتازت بالعمق ووثقت ونشرت وأصبحت في متناول الباحثين فيما يزيد على أربعين مجلدا.
وناقش الموسم التاسع الذي عقد في العام 2012 "الزراعة في بلاد الشام منذ أواخر العهد البيزنطي إلى نهاية العهد العثماني 1920".
وتعتمد اللجنة العلمية للمؤتمر مجموعة من المعايير للأبحاث المشاركة على أن تكون دراسات موضوعية وشاملة مستوفية المراجع، حيث اكتسب المؤتمر سمعة عالمية لانتهاجه الدقة والمنهج العلمي القائم على تحري الصدق والتوثيق في الأوراق المقدمة، وأصبح بمقدور المؤرخ العربي أن يمر بهذه التجربة التكاملية، وأن يكتب تاريخ أمته بعيدا عن الرعب وبعيدا عن الأوهام والإملاءات.