الديمقراطية أفضل من غيرها
د. فارس بريزات
19-11-2008 12:04 AM
الديمقراطية نظام سياسي يمتلك قدرة خلاقة على إعادة إنتاج نفسه وفي أحلك الظروف. ولا تتوقف مزايا الديمقراطية عند ما تتيحه من حرية وتنافس فعال بين القوى الاجتماعية-السياسية بل تتجاوز ذلك إلى خلق بيئة مناسبة للتنمية والنمو بحكم سيادة القانون والرقابة وحفظ التوازن بين السلطات وضمان تنفيذ العقود بسلطة القانون. لهذه الأسباب وغيرها لا نستغرب أن تكون نسبة من يؤيدون الديمقراطية ويرغبون بها في العالم مرتفعة ولم تنخفض كما تشير احدث بيانات يوفرها المسح العالمي للقيم اعتماداً على 81474 مستجيب في 57 بلد في العالم.
في الدول العربية المشمولة في المسح نجد أن نسبة تأييد الديمقراطية تزيد عن 80% في كل من الأردن والمغرب ومصر. وبمقارنة ذلك مع مسوحات أخرى في فلسطين، ولبنان، والجزائر، واليمن نجد أن نسب مؤيدي النظام السياسي الديمقراطي في هذه المجتمعات لا تقل عنها في غيرها من الدول العربية. ولكن لماذا لا توجد دولة عربية واحدة يمكن تصنيفها بأنها ديمقراطية على الرغم من رغبة الرأي العام بالديمقراطية؟ ولماذا لا يوجد حركة منظمة وقوية تجعل من الديمقراطية مطلب سياسي محدد في كل دولة عربية؟ التفسيرات لهذه المسافة بين الرأي العام من جهة وطبيعة النظام السياسي من جهة أخرى تمتد من البنيوي إلى الثقافي. في التفسير البنيوي تأتي الدولة كعامل أساس فهي بصفتها الموظف الأكبر والمستثمر الأكبر والحافظ للأمن. وبهذه الصفة تُشغل الدولة الطبقة الوسطى بتفرعاتها ولذلك تصبح هذه الطبقة الاجتماعية غير معنية بتغيير النظام السياسي الذي تعتمد عليه اقتصادياً. وحتى القطاع الخاص يعتمد على عقود الدولة أكثر من غيرها، لذلك فهو معني باستمرار الحال الذي يضمن له الحصول على العقود دون تنافس شديد. كما أن التغيير يعني كلفة أعلى للقطاع الخاص وهو شيء غير مرحب به. التفسير الثقافي بأن المجتمع غير جاهز للديمقراطية ثقافياً هو تفسير سطحي وانطباعي وإسقاطي لا يعير عقلانية الإنسان قيمة.
في ظل هذه المعادلة يبدو أن التغيير الديمقراطي في الدول العربية مستحيلاً. كان هذا هو الرأي لدى الكثيرين من الباحثين والسياسيين المهتمين بموضوع الديمقراطية في العالم العربي. لكن على الرغم من قوة العلاقة بين الدولة من جهة والنخبة والطبقة الوسطى من جهة أخرى، هناك ملامح أمل بأن تحصل انشقاقات بين النخب وتتحالف مع تكوينات أخرى داخل الطبقة الوسطى مما يمهد لتنافس سياسي على أساس المصالح الاقتصادية وما يرتبط بها من قيم سياسية واجتماعية. في بعض الدول العربية بدت هذه الانشقاقات أكثر وضوحاً من غيرها مثل الأردن، والمغرب، والكويت. ولكنها ما تزال غير كافية لأن تتحول إلى تعبيرات سياسية ناجزه.
في الأردن لدينا بدايات بحاجة لدفع جدي للأمام. ولكن هذه البدايات تعرضت لكثير من الاختلال. مثل تعيين بعض أعضاء مجالس واتحادات الطلبة والبلديات منذ منتصف التسعينات. بغيات التنافس السياسي الفعال عن انتخابات طلبة الجامعات منذ منتصف التسعينات بدأ الدخول التدريجي للهوية البدائية إلى انتخابات مجالس واتحادات الطلبة ليملأ الفراغ الناتج عن غياب القوى السياسية المنظمة التي كانت حاضرة في العمل الطلابي في بداية التسعينات وبشكل جيد. الخطوة التي اتخذتها الجامعة الأردنية كما جاء في خطاب الدكتور خالد الكركي أمام الطلبة بإعادة انتخاب كامل أعضاء مجلس الطلبة قد تساهم في الحد من التراجع الذي حصل للهوية المدنية والسياسية بين طلبة الجامعات وتساهم في إعادة بناء الهوية المدنية بين طلبة الجامعات. لكن هذا لا يكفي لوقف التراجع في الهوية المدنية. إذ أن الأغلبية من طلبة الجامعات الأردنية (2004 مستجيبين في الجامعات الحكومية والخاصة) عندما سُئلوا إلى أي من التالية يأتي انتماءهم بالدرجة الأولى اختاروا "القبيلة، العشيرة، العائلة" بنسبة 53%، مقارنة بنحو 36% اختاروا الأردن، و 5% اختاروا المحافظة، و1% اختاروا الإقليم، فيما قال 5% "ولا واحدة من هذه الخيارات". انتخابات اتحادات الطلبة وحدها لا تكفي لكي ينقل الطلبة ثقافة الجامعة إلى بيوتهم وقراهم وعشائرهم وعائلاتهم ومخيماتهم ومدنهم. ولكنها خطوة جيدة لوقف نقل الهويات غير المدنية من أماكنها إلى الجامعة.
الراي.