هنا أخطأنا في مواجهة التطرف .. !!
حسين الرواشدة
03-04-2017 01:58 AM
إذا كان نحو 4 آلاف أردني التحقوا بتنظيم داعش في سوريا والعراق منذ عام 2011 (حسب تقرير الكونجرس الأمريكي) فما هو عدد الذين التحقوا بالتنظيمات الأخرى (جبهة النصرة مثلاً)، ثم – وهذا الأهم-كم بقي من المتطرفين المتعاطفين مع هذه التنظيمات في بلدنا؟
لا يمكن–بالطبع-التوثق من الاحصائيات التي ذكرها التقرير أو تحديد أعداد هؤلاء بدقة، لكن المؤكد أن مجتمعنا يعاني من ظاهرة التطرف، وان بيننا مشاريع متطرفين جاهزين للانضمام لقوائم الإرهاب، يكفي ان نتذكر الأسئلة الصادمة التي طرحناها العام الماضي بعد عمليتي اربد والكرك الارهابيتين، او ان ندقق في سجلات المتهمين الموقوفين والسجناء المحكومين بتهمة “الإرهاب” او التعاطف مع التنظيمات الإرهابية، لنكتشف اننا لم نتحرك بعد كما يجب لمواجهة هذا الخطر، رغم ان الحرب ضد الإرهاب والتطرف هي عنوان معركتنا منذ سنوات طويلة.
في سياق التشخيص لا بدّ ان نعترف بأن لدينا “بيئات” منتجة للتطرف، ومصدرة له ايضاً، وهذه البيئات مهما توزعت خرائطها واماكنها واعداد الأشخاص الذين خرجوا منها فإنها تصب في نقطة واحدة وهي “التطرف” الذي يمكن في لحظة مفاجئة ان يتحول الى “إرهاب”، وبالتالي فإن السؤال عن المقاربة التي اعتمدناها لمواجهته تحتاج الى إجابات واضحة وحازمة، كما أن البحث عن الأسباب والظروف التي تغذيه وتضمن له الاستمرار والتمدد يحتاج الى قراءات عميقة ايضاً.
حين ندقق في “المقاربات” التي اعتمدناها في السنوات الماضية سنجد أنها اقتصرت على المجالين الأمني العسكري، فيما ظلت المجالات الفكرية والدينية والاجتماعية والاقتصادية ناهيك عن المجال السياسي والتشريعي بعيدة عن النقاش الجاد، يكفي ان نذكر الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف التي أعدتها الحكومة السابقة ولم يجر عليها اي تطوير لنؤكد ان جهودنا ما زالت متواضعة، والأخطر من ذلك ان بعض هذه الجهود والاجتهادات صبت في الاتجاه الغلط، خذ مثلا الخطبة الموحدة التي حولت المنابر والمساجد من أماكن جاذبة للشباب المتدين الى منصات طاردة، هؤلاء الشباب لن يجدوا امامهم الاّ منابر دعاة التطرف وخطباءه لكي يتلقوا منهم المعارف والمواعظ عن “الدين”...ولنا ان نتصور كيف ستكون النتيجة.
السؤال الذي كان يفترض ان نطرحه هو: كيف أصيب هؤلاء “بلوثة” الفكر المتطرف، ومن أي المصادر استقوه وتشربوه؟
الإجابات متعددة،بعضها يتعلق بما تمتلكه التنظيمات الإرهابية من “ماكينة” اعلامية لترويج افكارها وتجنيد واصطياد الأشخاص لاسيما الشباب الذين يشكلون عصبها في الحركة والتنفيذ، وبعضها يتعلق بخطابنا الديني والتعليمي والثقافي الذي لم نتعهده بالرعاية والتمحيص فأفرز لدى الشباب قناعات خاطئة عن الذات والآخر، وعن المفاهيم الدينية والتراثية، وجدت –بالطبع- من يوظفها في سياق “تمكين” التطرف وانتشاره، إجابات أخرى تتعلق بما حدث من “انفصام” لدى النشء حول هوياتهم الدينية والوطنية، وافتقادهم “للمشروع” القادر على استيعاب طاقاتهم وللنماذج الملهمة التي ترشدهم للصواب.
هنا، وقعنا في خطأين: احدهما اننا لم ننشئ مراصد للفكر المتطرف لنعرف خرائطه واتجاهاته واساليبه في الجذب والتجنيد والكمون والتمدد، ولم نفهم “ألغاز” حركته والفئات التي يستهدفها والأدوات التي يستخدمها، اما الخطأ الثاني فهو أننا لم ننجز روايات وردود مقنعة لدحض أفكاره اولاً، ومواجهة افعاله اللاحقة، والردود هنا لا تتعلق “بالسرديات الدينية والإعلامية وانما الممارسات العملية الفاعلة في مجالات السياسة والاقتصاد، خاصة ان معظم ضحايا التطرف ينتسبون الى فئات عمرية محددة (دون سن 30) وبيئات مهمشة، وظروف اجتماعية منغلقة وطاردة، وأحوال اقتصادية صعبة، وربما من “عائلات” ذات سجل له علاقة بالتطرف.
يبقى ان أشير الى مسألتين، الأولى هي اننا لم نتصرف كما يجب لمواجهة ظاهرة التطرف مثلما فعلنا في مواجهة الإرهاب، مع ان التطرف هو “المنتج” الأساسي لأيّة عملية إرهابية، ومع ان التعامل الاستباقي معه أسهل وأضمن من التعامل مع مخرجاته ، اما المسألة الثانية فهي ان السياسات والآليات التي اعتمدناها لمواجهة التطرف، وان كانت غير كافية، ولّدت –للأسف- المزيد من التطرف لأنها ببساطة لم تكن مقنعة ولا مدروسة ناهيك عن انها خرجت من “تربة” أخرى لا علاقة لها بالمجتمع بما لديه من خبراء وهواجس واعتبارات، وبما يجب ان ينهض به هو نفسه من جهود ذاتية غير مفروضة عليه بالإكراه.
الدستور