حتى قبل تولي جلالته رئاسة مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة التي انعقدت في نهاية الأسبوع الماضي في البحر الميت ، كان جلالته أول الزعماء العرب الذين تواصلوا مع الرئيس ترامب وأركان إدارته ونجح في إحداث تغيير نوعي في تفكير الرئيس وبخاصة حيال الموضوع الفلسطيني ، وقد كان واضحا أن الخطاب الرسمي لترامب بعد لقاء جلالته في واشنطن في العشرين من فبراير الماضي قد طرا عليه تغيير ملفت في الرؤية والمضمون واللغة حيث تلفظ ترامب وللمرة الأولى بمصطلح « حل الدولتين « بعد أن كان نتنياهو قد بشر اليمين الصهيوني في أميركا وإسرائيل « بوفاة حل الدولتين « ، وانسحابه من عملية التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، كما غابت قضية نقل السفارة الأميركية الى القدس تماما عن الخطاب الرسمي الاميركي. ولم يكتف جلالته بهذا الانجاز بل عمل وبدبلوماسية هادئة بعيدة عن « البروبغندا « و» الاستعراض الفاقع « بتمهيد الطريق لرئيس السلطة الفلسطينية ليجرى اول اتصال مع الرئيس ترامب الذي كان على وشك اتخاذ قرار بعدم التعاطي معه ليس بصفته الشخصية بل بصفته « التمثيلية « ، وقد كان في ذهن جلالته ان تغييب الصفة التمثيلية للقضية الفلسطينية هو مساهمة في تحقيق اهداف نتنياهو في « اغتيال « حل الدولتين « ليس اكثر من ذلك ولكي لا تراود الاوهام عقول البعض من ان ما جرى خلال الاسبوعين الماضيين في العلاقة بين الاردن ورئيس السلطة هو انتصار اردنى لطرف فلسطيني على اخر او هو تدخل حاسم لصالح طرف فلسطيني بعينه.
في الخامس من ابريل الجاري سيلتقي الرئيس ترامب الملك عبد الله الثاني كاول زعيم عربي في البيت الابيض ، ويلتقيه بعد قمة عربية ناجحة وناجزة اعيد فيها بناء وانتاج ثلاث قضايا مهمة تخدم التفاهم العربي – الاميركي الذي يقوده الاردن وهذه القضايا هي :
اولا: اعادة بناء محور الاعتدال العربي الذي تصدع جزئيا بسبب الخلاف المصري – السعودي.
ثانيا: اعادة لبنان والعراق الى المنظومة العربية وسحبهما بقدر نسبي من تحت التاثير الايراني وذلك من خلال اللقاء بين حيدر العبادي والملك سلمان بن عبد العزيز ، ومن خلال تقبل الرئيس ميشيل عون لغياب سوريا الرسمية في القمة وعدم اعتراضه على ادانة ايران لتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ثالثا: نجاح قمة عمان في وضع اسرائيل وايران في سلة واحدة من حيث الخطر على الامن القومي العربي والسلم الاقليمي ، وهي مسالة ستخدم جلالته في استدراج ترامب وادارته الى وضع تصور شامل لموضوع الامن الاقليمي.
والسؤال ماذا يريد جلالته من ترامب ؟؟
في الجواب:
ليس للاردن اجندة سرية مع واشنطن بغض النظر عن نوعية الادارة ، والادارة الحالية بحكم عوامل عديدة هي ادارة « معقدة « ، من الصعب « صناعة تفاهمات « معها ، ومع كل ذلك بادر الملك عبد الله الى « سبر غور « ترامب وادارته ، وهي عملية من الناحية السياسية يمكن وصفها « بالمجازفة « لان غياب التفاهم فيها او « سيكولوجيا « المحبة او الانطباع الايجابي ، يمكن ان يكون له تبعات سلبية لاحقة.
يذهب الملك للبيت الابيض مسلحا بكل ما سبق من اجل ما يلي :
اولا: التاكيد على ان غياب حل الدولتين وعدم دعمه وعدم لجم السياسة الاستيطانية لحكومة نتينياهو سوف يساهم بكل تاكيد على صناعة « العنف الوطني الفلسطيني الطبيعي والمشروع « القابل للاستغلال من اطراف متطرفة قادرة على تحويله الى ارهاب.
ثانيا: ان اية خطة لمحاربة الارهاب يجب ان تمتلك رؤية شمولية من تنسيق عسكري وامني يضم كل اقليم الشرق الاوسط وشمال افريقيا وبعض حدود اوروبا ، كما يجب تجفيف منابع الارهاب الفكري في هذا المجال الجغرافي بخطط وانظمة قانونية وفكرية ، بالاضافة الى تجفيف منابع هذا الارهاب النابع عن الفقر والعوز وهو ما يتطلب الانتباه للدول الفقيرة التي يتولد بها الارهاب بالدعم والعناية والايعاز للمنظمات الدولية المالية لابتكار افكار وخطط تكافح الفقر والبطالة التي يعتاش عليها الارهاب الدولي في تلك الدول.
... مهمة الملك في واشنطن تاريخية ليس بالمعنى الاستهلاكي للمصطلح بل بالمعني الحقيقي له ، فالملك في مهمة قومية كبرى !!
Rajatalab5@gmail.com
الرأي