يعرف غالبية زعماء العالم وقادة المؤسسات الدولية أن الأردن وأهله قد وصلوا الى مستوى حضاري يعرفون جيدا الفرق بين المجرم والمتهم، ويؤيدون بشدة كل ما يحقق للعالم وللإنسانية ويساعدون في توفير الآليات والبيئة الآمنة لتحقيق الطمأنينة والدعم الإنساني لكافة المضطهدين عبر الزمن الغابر والوقت الحاضر، منذ الإحتلال الفرنسي لسوريا والإيطالي لليبيا حيث كان الأردن موئلا للأحرار والثوار وفي مقدمتهم»إبراهيم هنانو»وقبلهم العائلات من أرمينيا والأخوة المسلمين من القوقاز، ثم إخواننا في قطاع غزة التابع آنذاك لمصر، حتى الزمن القريب حيث العائلات الألبانية المضطهدة في البلقان وضحايا الحرب في يوغسلافيا، ومن هرب من مجازر سبرينيتشا في البوسنة، التي قتل فيها واغتصب مئات الآلاف تحت بصر قوات الأمم المتحدة الأوروبية.
هذا ليس جرد حساب للقيم الإنسانية الأردنية، بل لمحة يجب أن تكون حاضرة في ذاكرة الأمير زيد بن رعد المفوض السامي لحقوق الإنسان، لتذكيره بأن بلده الأردن هو المملكة الأردنية الهاشمية ولا زال على عهد الحفاظ واحترام قيم ومبادئ حقوق الإنسان، وهو لم يكن شريكا أبدا في أي معركة وحشية ضد المدنيين والأبرياء، بل إن النظام الحاكم قد خالف رغبات المتعطشين للثأر، وعفى عن قادة مجموعات شاذة قتلت الأبرياء والزعماء في وطننا، ليس خوفا، بل درءا للفتنة الكبرى، وسعى دوما للحفاظ على سلامة الدول العربية، وفتح حدوده وجنّد جنوده لإنقاذ الهاربين من ويلات الحروب فيها.
زيد بن رعد بصفته الأممية، يجب أن يفهم إن لم يكن يفهم أن مؤسسته الصغيرة في حضن المؤسسة الأم، هيئة الأمم المتحدة، لم ترغب يوما في إحقاق الحق وإنقاذ الشعوب العربية والإسلامية على مرّ السنين، وانحيازها الواضح ضدهم أصبح وصمة عار بين أعين العديد من المسؤولين فيها، وهذا لا ينفي الجهود الجبارة لبعض المؤسسات الإغاثية والتعليمية العاملة تحت راية الأمم المتحدة، ولكن على الأمير زيد أن يعيد قراءة التاريخ جيدا، فالمحكمة الجنائية الدولية لم تستطع إنقاذ أطفال فلسطين وعجائزها، ولا مئات الآلاف من ضحايا المجازر في رواندا، ولم تهتم أصلا بملايين العراقيين الذين أبادتهم الصواريخ الذكية والقصف العشوائي للطائرات المقاتلة، ولا الضحايا المدنيين اليوم هناك على يد المليشيات والجماعات الإرهابية.
عندما يصّر الأمير زيد على إطلاق البيانات المنددة بالدول العربية دون غيرها، وعندما ينتهي للتو من بيانه الذي يتهم فيه الأردن بالتنصل من التزاماته تجاه معاهدة روما والاتفاقيات مع المحكمة الجنائية، ويحصرها بموافقة الأردن على السماح للرئيس السوداني عمر البشير بدخول الأردن لحضور مؤتمر القمة، فهو يكشف عن جهل مطبق بالفرق ما بين الإتفاقيات التي يلتزم بها الأردن مع المؤسسات الدولية، وما بين السلطة المخولة للجامعة العربية لتحقيق الغاية من إنشائها وأبسطها توفير المناخ المناسب لاجتماع كافة قادة الدول الأعضاء للتباحث فيما يخص الشأن العربي، بغض النظر عن النتائج، والترجمة لما سبق هي أن الرئيس البشير جاء لمجلس جامعة الدول العربية وليس بزيارة رسمية للأردن، بعيدا عن الشكوك في حيثيات الإتهامات الموجهة له.
تنص المادة العاشرة من ميثاق الجامعة العربية على: تكون القاهرة المقرّ الدائم لجامعة العربية، ولمجلس الجامعة أن يجتمع في أي مكان آخر يعينّه، وكذلك المادة 4 من الفقرة أ من الملحق الخاص بالإنعقاد الدوري لمجلس الجامعة على مستوى القمة، ما يعني إنتفاء المسؤولية القانونية عن البلد المضيف، فحضور رئيس أي دولة لاجتماعات القمة هو حق لبلاده وليس لشخصه فقط، ولهذا كان الأوجب أن لا يتم الرقص على الحبال لكي ترضى جهات سياسية ما أو تحقيق غايات شخصية من باب الإساءة للوطن، الذي يؤوي الملايين من اللاجئين الذين لم تحقق لهم المحكمة الجنائية ولا مجلس حقوق الإنسان أي حلم في الإقتصاص من القتلة ومجرمي الحرب والأنظمة العنصرية التي شردت جيوشها ملايين المدنيين من أرضهم في فلسطين وغيرها.
وبعيدا عن الرؤية غير الصائبة للمفوض السام لحقوق الإنسان، فإن التهم الموجهة للرئيس البشير وهو زعيم دولة عربية حرةّ، قد تكشفت خيوط المؤامرة فيها بعد كشف الصحافة البريطانية عن إتهامات لرئيسة المحكمة الجنائية الدولية «سيلفيا غورمندي» بتلقيها ما يزيد على 17 مليون دولار ما بين عامي 2004 و2015 عبر مصرف «فيرست كاربيان بانك» في جزر البهاما، استُخدمت حسب الصحيفة في رشوة شهود ساعدوا المحكمة على اتهام الرئيس البشير.
لقد نجحت قمة عمان في حضور كافة الدول العربية وقادتها وبتنظيم وإخراج غير مسبوق في ظل الصراع والتصدع العربي، وهذا لم يأت لولا الجهود الجبارة التي بذلها جلالة الملك، ومن رأى بعينه ليس كمن سمع بأذنه، ولهذا على الأمير زيد أن يدعم الأردن لا أن يحرض عليه أمميا ودوليا وعربيا أيضا، فنحن نربأ به، ونستتيبه برشد لا يوقع أهله بحرج ولعائلته بجفاء.
Royal430@hotmail.com
الرأي