منذ الخميس الماضي والبلاد تشهد أكثر من أزمة تتصل بقوت المواطن ودفئه ، أزمات قوامها غياب التخطيط الحكومي الحازم للتعامل مع ملف الطاقة وسط جشع تجاري عز نظيره في ظل انعدام محاسبة من امتنع عن تقديم سلعة إستراتيجية للمستهلكين بدعوى وجود خسائر جراء خفض أسعار المحروقات السابع . الحكومة تتحمل جانبا من مسؤولية هذه الأزمات ، فهي التي تتحكم في التسعير وانتهت إلى تغيير أسعار المحروقات مرة كل أسبوع وهي الخطوة التي تسببت في تكرر الخسائر المتحققة بفعل فروقات التسعير بين الكميات السابقة والأسعار اللاحقة بالنسبة لمحطات بيع المشتقات النفطية ، ويبدو من التجربة القاسية الأخيرة إن التسعير مرة كل شهر أكثر جدوى وأكثر مرونة من التسعير مرة كل أسبوع ، وهو ما دفع إلى جر البلاد لازمة إمدادات الطاقة دون أن تحسب الحكومة حساباتها على نحو استشرافي .
والحكومة أيضا لم تفلح في إجبار أصحاب المحطات على التزود بالمشتقات النفطية لبيعها للمستهلكين ، وظلت أدواتها في هذه الأزمة ضعيفة ولم ترتقي إلى حجم التهديد الذي انطوت عليه أزمة الإمدادات بكل تفاصيلها البشعة ، واعتقد أن الامتناع عن التزود بالمشتقات النفطية بالنسبة للمحطات لا يمكن فهمه إلا في سياق كونه جريمة اقتصادية يعاقب عليها قانون الجرائم الاقتصادية ، غير أن الرؤية الحكومية لتبعات الأزمة لم تشخص سلوك أصحاب المحطات باعتباره جريمة اقتصادية ، رغم أن المادة الثالثة من هذا القانون تشير صراحة إلى اعتبار كل ما ينجم عنه أضرار بالمركز الاقتصادي للمملكة أو بالثقة العامة بالاقتصاد ، أو في مواد أخرى تناولت " المضاربات غير المشروعة "..
كلها مجتمعة تساعد في تكييف ما حدث باعتباره جريمة اقتصادية بامتياز. أكثر من ذلك ، فأن صلاحيات الحكام الإداريين تبيح لهم التدخل لمنع وقوع أي أزمات أو جرائم ، وهي صلاحيات واسعة لا سيما ما يتعلق بالتوقيف الإداري ، لكننا لم نسمع أن أيا من الممتنعين أو المرتكبين للجريمة الأخيرة قد تحول إلى مكتب محافظ أو متصرف ، في الوقت الذي انقطعت فيه سلعة الوقود الحيوية عن سبع محافظات أردنية ومنها العاصمة مركز التجارة والنشاط الاقتصادي . حتى لا يتم الإغراق في تشخيص ما حدث ، فأنني أتساءل ، لماذا لم تقم شركة مصفاة البترول بجرد المخزونات والكميات لدى المحطات عشية قرارات رفع أسعار المحروقات أواخر العام الماضي وكذلك خلال التخفيضات الأخيرة التي طرأت على أسعار المشتقات النفطية ، وفي اتصال مع القائم بأعمال نقابة أصحاب محطات المحروقات والتوزيع فهد الفايز أكد " إن المصفاة لم تقم بعمل هكذا جرد للمخزون قبل رفع الأسعار أو خفضها " بهدف تعويض خسائر أصحاب المحطات ، ولو تم تنفيذ مثل هذا الإجراء لكانت البلاد تجنبت أزمة الإمدادات والعبث الذي ما يزال ماثلا في مواجهة الأمن الاقتصادي للمملكة . صورة الأزمة كانت شديدة الحلكة، وأدوات التعاطي الحكومي معها جاءت ضعيفة، والضحية كان المستهلك الذي ارتحل من محافظة إلى أخرى بحثا عن وقود لم يجده، فيما التجريب والارتجال سيد الموقف ، ولا يقف الأمر عند الطاقة ، فقطاع الزراعة تلقى ضربة قبل عدة أيام ، إذ عرض مزارعو وادي الأردن منتجاتهم الزراعية من الخضار والفواكه على جنبات الطرق وأمام مربي الماشية بقصد بيعها ، في أعقاب رفض المزارعين تعليمات المواصفات والمقاييس التي فرضها وزير الزراعة ، وعادت الحكومة عن موقفها وعلقت قرار المواصفة الفنية ، ليس بسبب الخسائر التي مني بها قطاع الزراعة في وادي الأردن ، وإنما بعد خوف الحكومة من مسعى برلماني لطرح الثقة بوزير الزراعة .
يحتاج الاردن الى وزراء لديهم اطلالة حيال ما يدور حولهم ، ومعرفة لحجم المخاطر التي تئن تحتها القطاعات الانتاجية لا سيما حاجات المستهلكين ، فمن الطاقة الى الزراعة ثم ... ما الجرائم الاقتصادية التي تنتظرنا ؟
الغد.