في نيسان ينتصبُ الربيع في بلادنا كقوس قزح ، زاهيا بكل ورده وزهره ، وتشرأبُ أعناق الدحنون ، وتخجل أحيانا إذا إقتربت شمس نيسان ، وتومئ نحو قلب الأرض ..
في نيسان تزهر الأشجار ، وتنعقد براجم الزيتون ، وتنضج سنابل القمح وتزداد فتنة وإكتنازا، وتموج مروجها مع كل نسمة هواء تهبّ من الغربي ، ويفرح الزارع بإقتراب الموسم .
الكرز يضجّ بالحياة وتمتلئ العربات في الطرق ، ويكتمل نضوجه شهية ، ونبحث معه على " الحاملة" فقد إستوى حبلها وأستقامت أعوادها مع كل ظلّ ، وتنادي بلا خجل هل من قاطف لي ، وقد يزورها الندى خلسة مع كل طلعة فجر.
يعربش الصغار على الدوالي ويجمعون ورق العنب للأمهات ، وقد تزينّت مؤائدهن بطبخة الدوالي لضيف قادم أو إبن غائب ، أو بنت تزور أهلها وقد أضناها الشوق لبيت العائلة .
في نيسان تزهر الصبايا ، وتخاف شمس اللوز أن تسرق نضارتهن ، تمتلىء حدائق الجامعة وطرقاتها بعطرهنّ وألوانهنّ ، وقد نفضنَ برّد الشتاء ، باحثات عن دفء نيسان ، وصيف مبكّر وقصائد بِكر لم تُقرى من قبل .
يزهر الحبر بين أصابع الشعراء في نيسان ، وتنسكب القصائد في أقمار جديدة ، وتفر الكلمات كخيول شاردة فيروضها الشاعر بلا سرج وينادي عليها وحيدة مطيعة نحو النهر .
نيسان أجمل المواسم ، تطول لياليه ويجلس القمر متكئا وهو يطلّ على سهر الناس .. نيسان فيه حياة وشوق لكل الغائبين ، وفيه هبّات تأتي لتعيد الأمل وتنعش الأرواح المتعبة ، فهبوب الريح يسكن نيسان ، ومنه ذات جنوب أشهرَ سيفه ليعلن أنه ما زال حيّا.